المرأة الحديدية

Related image

الحمد لله، والصلاة والسلام على  رسول الله صلى الله عليه وسلم

عندما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فاتحًا منتصرًا، وأصدر عفوه العام، وقال قولته المشهورة: «فإنّي أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين»[1]،  وأمن الناس كلهم، فمن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل بيته وأغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن، إلا تسعة أشخاص لم يُعطهم الأمان، بل أمر بقتلهم ولو كانوا مُتعلقين بأستار الكعبة، وذلك لأنهم آذوا المسلمين كثيرًا، ماديًا ومعنويًا، منهم: وحشي بن حرب قاتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، ومنهم هبَّار بن الأسود؛ وكان شاعرًا يهجو المسلمين، وقد اعترض يومًا زينب بنت رسول الله (صلى) وهي مهاجرة، فَنَخَسَ بعيرها فسقطت على صخرة وأسقطت جنينها، وكلاهما أسلم وحَسُنَ إسلامه فيما بعد.

ومن هؤلاء عكرمة بن أبي جهل، الذي ما أن سمع بدخول رسول الله (صلى) مكة فاتحًا، وأنه أهدر دمه، حتى خرج هاربًا إلى اليمن، وهُنا يأتي دور المرأة الصالحة الذي ذاقت حلاوة الإيمان، ورأت بعين بصيرتها ما لم ير زوجها من الخير العميم، والفضل الكبير.. هذا الإيمان الذي جعلها تُحب الخير لزوجها كما تُحبه لنفسها، الزوجة التي ما أن أشرق نور الإيمان في قلبها حتى أدركت أن زوجها أحق الناس بهذا النور.. كيف لا وهو الأقرب إلى نفسها وقلبها وروحها؟!

توجهت “أم حكيم”[2] زوجة عكرمة إلى رسول الله (صلى) ورجته أن يُسامح عكرمة وقالت: يا رسول الله؛ إن عكرمة هرب منك إلى اليمن فأمِّنه، فقال (صلى): «هو آمن»، هنا انبلجت أسارير الزوجة الوفية، ولم تغمرها الفرحة حتى انطلقت تقطع الفيافي والقفار تبحث عن زوجها لتزُفّ له البُشرى، فلحقت به إلى اليمن، في مغامرة كبيرة، حيث تعرضت فيها إلى مخاطر جمة، وتعرضت خلالها إلى أذى القريب والبعيد في سبيل إخراج زوجها من الظلمات إلى النور، وفي سبيل ريّ بذرة الخير الموجودة في قلب زوجها، لعل شجرة الإيمان تنموا في هذا القلب، فيرتاح وترتاح.

وبعد أن قطعت عشرات آلاف الأمتار رأت زوجها من بعيد وقد انتهى إلى ساحل من سواحل تهامة، وهو يهمّ بالصعود إلى سفينة كان يظنها سفينة النجاة، ، فجعل نوتي (ملاح) السفينة يقول له : أخلِص! يعني أسلِم، -وقد كان الملاح قد أسلم هو أيضًا من قبل- فقال : أي شيء أقول ؟  قال: قل لا إله إلا الله ، قال عكرمة : ما هربت إلا من هذا… وهنا وأشاحت لزوجها بيدها من بعيد، ونادته بصوت عالٍ تملؤه الرحمة والرأفة والحب والأمل، وأتته فجعلت تلح عليه وتقول: يا ابن عم ، جئتك من عند أوصل الناس وأبر الناس وخير الناس ، لا تهلك نفسك .. فوقف لها حتى أدركته فقالت : إني قد استأمنت لك محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم – ، قال: أنت فعلت ؟ ، قالت: نعم ، أنا كلمته فأمنك فرجع معها …”[3].

رجع عكرمة مع زوجته إلى مكة، فلما رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – عكرمة وثب إليه ، وما على النبي – صلى الله عليه وسلم ـ رداء ، فرحا بعكرمة .. ثم جلس رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فوقف بين يديه ، وزوجته منتقبة ، فقال: يا محمد إن هذه أخبرتني أنك أمنتني ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: « صَدَقَت ، فأنت آمن »، فقال عكرمة : فإلى ما تدعو يا محمد ؟ ، قال : « أدعوك إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة » وتفعل، وتفعل، حتى عَدَّ خصال الإسلام..، فقال عكرمة : والله ما دعوتَ إلا إلى الحق وأمرٍ حسن جميل ، قد كنتَ والله فينا قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه وأنت أصدقنا حديثا وأبرنا برا ..

ثم قال عكرمة : فإني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. فسُرَّ بذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ثم قال : يا رسول الله علمني خير شيء أقوله ، قال : «تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله »، قال عكرمة : ثم ماذا ؟  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : «تقول أُشْهِد الله وأشهد من حضر أني مسلم مهاجر ومجاهد»، فقال عكرمة ذلك ..

فقال رسول الله : «لا تسألني اليوم شيئا أعطيه أحدا إلا أعطيتكه»، فقال عكرمة: فإني أسألك أن تستغفر لي كل عداوة عاديتكها ، أو مسير وضعت فيه ، أو مقام لقيتك فيه ، أو كلام قلته في وجهك أو وأنت غائب عنه ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : «اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها ، وكل مسير سار فيه إلى موضع يريد بذلك المسير إطفاء نورك ، فاغفر له ما نال مني من عرض في وجهي أو أنا غائب عنه»..

فقال عكرمة : رضيت يا رسول الله ، لا أدع نفقة كنت أنفقها في صدٍ عن سبيل الله إلا أنفقتُ ضعفها في سبيل الله ، ولا قتالا كنت أقاتل في صد عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل الله .. ثم اجتهد في القتال حتى قتِل شهيدا -أي في يوم اليرموك- .. وبعد أن أسلم رد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – امرأته له بذلك النكاح الأول ..”.

ولو كُنَّ النّساءُ كمَنْ عرفنا *** لفضّلتُ النّساءَ على الرِّجَال

فما التّأنيثُ لاسْمِ الشّمسِ عيْبًا *** ولا التّذكيرُ فخْرًا للهلالِ

*******************************

[1]  رواه البيهقي في (السنن الكبرى 9 / 118 )، وفي ( دلائل النبوة  5 / 57 – 58 )، وعند ابن أبي الدنيا في ( كتاب العفو )وغيره، وحسن إسناده علي رضا في رسالة له، انظر زاد المعاد: ج 1، ص 424، وفتح الباري حديث رقم (4039).

[2] أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومية، بنت أخي أبي جهل عمرو بن هشام، وأمها فاطمة بنت الوليد بن المغيرة أخت سيف الله المسلول خالد بن الوليد.

[3] انظر كتاب المغازي للواقدي ج 1 ص 850، وكتاب التوابين لابن قدامة ص 43.

خطبة الجمعة يوم عيد الأضحى 1-9-2017م

Image result for ‫عيد الأضحى‬‎

خطبة الجمعة (عيد الأضحى) 1-9-2017م

الحمد لله العلي القدير، الجليل الكبير، الذي أمرنا في أيام العيد بالتهليل والتكبير.. وأشهد أن لا إله إلا الله، مهما مدحنا فلا نوفيه قدره، ومهما حمدناه فلا نوفي شكره، هو ربنا وإليه المرجع والمصير.

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خير خلق الله..

كل القلوب إلي الحبيب تميلُ *** ومعي بهـذا شـــاهد ودليــلُ

اما الــدليل إذا ذكرت محمدًا ***  صارت دموع الطائعين تسيلُ

إقرأ المزيد