الإسلام دين الرحمة 23-7-2021
الحمد لله أرحم الراحمين، أتم علينا النعمة وأكمل لنا الدين، جعلنا مُسلمين بنعمته، ولا يُدخلنا الجنة إلا بفضله ورحمته..
وأشهد أن لا إِله إلا هو، خالقنا ورازقنا، وأشهد أن محمدًا ﷺ عبده ورسوله.. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد.. فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} (سورة آل عمران).
عنوان خطبتنا أيها الأحبة “الإسلام دين الرحمة”.. وهذه الحقيقة يؤيدها ذكر مُشتقات الفعل رحم في القرآن الكريم نحو أربعمائة مرة، فالله تعالى رحيم ورحمن، وهو أرحم الراحمين.. يقول جل وعلا: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} (الأنعام: 54)، وفي الحديث: (إِنَّ اللهَ لَمَّا قَضَى الخَلْقَ، كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي) . وما أرسَلَ مُحمدًا ﷺ إلا رحمة: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} (الأنبياء)..
وما أنزل القرآن إلا رحمة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)} (يونس).. بل إنه ﷺ أعلنها مُدويةً عندما خطب قائلاً: (أَيُّهَا النَّاسُ, إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ) .
أيها الأحبة الكرام، من أي زاوية نظر العالَمُ إلى دين الإسلام وجد الرحمة أمامه.. مِن أي اتجاه ننظر إلى الإسلام تقف الرحمة أمامنا.. فقد جاء هذا الدين ليجبل كل من ينتسب إليه بالرحمة، يغمسه في الرحمة غمسًا حتى تُصبح سجية متمكنة فيهم، في أقوالهم وأفعالهم، وأحوالهم وتصرفاتهم، وقلبهم وقالبهم..
فمِنْ رحمة هذا الدين العظيم أنه “يجُبُّ ما كان قبله”، فيدخله من يدخله نظيف القلب والعقل، قد بُدِّلت سيئاته إلى حسنات..
ولم يبقَ أحد إلا وأمر الإسلام بالرحمة عليه، فالمرأة التي يتشدَّق المتشدّقون بحريتها وبمساواتها بالرجل، وكأنهم لم يسمعوا قوله ﷺ: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» بل “ما أكرمها إلى كريم وما أهانها إلا لئيم” وإن كان الحديث في سنده مقال إلا أن معناه صحيح..
وماذا نقول عن الأطفال الذين يُقتّلهم العالم الحُر الغربي والشرقي وأتباعهم في هذه الأيام؟ عندما رأى أحد الصحابة الرسول ﷺ يقبل الحسن والحسين، قال: أتقبِّلون صبيانَكم؟ فقال: نعم، فقالوا: لكنّا واللهِ ما نُقبِّل. فقال له ﷺ: (وأملكُ إنْ كان اللهُ نزعَ منكم الرحمة؟).
أما الأيتام، الذين قال عنهم ﷺ فيما يُروى عنه: «خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ، وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ» أصبحوا يُباعون في العالم الحُر لأجل قتلهم واستخراج أعضائهم، فيجنوا من ورائهم الثروات.. واكتبوا إن شئتم على جوجل: إسرائيل وتجارة البشر.. وانظروا النتائج..
أما كبار السِّن والشيوخ والعُلماء الذينَ يُعدمون ويُسجنون في سجون اليهود والنصارى وعبيدهم العرب قال ﷺ عنهم: «ليس منا من يُجِلّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالِمنا حقه» اللهم فرِّج عن علماء الأمة من سُجون الطُّغاة يا كريم..
إن رحمة الإسلام أيها الأحبة شملت حتى الكفار، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً» .
بل أعظم من هذا، شملت رحمة هذا الدين حتى الحيوانات والعجماوات، فعندما رأى ﷺ رَجُلًا يُحِدُّ شَفْرَتَهُ أمام الشاة التي يريد أن يذبحها، فَقَالَ لَهُ: «وَيْلَكَ أَرَدْتَ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ هَلَّا أَحْدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا» .
فلماذا لا نرى مظاهر رحم دين الإسلام الذي ننتسب إليه؟ لماذا لا نُطبق رحمة ديننا في حياتنا العملية؟ أقول قولي هذا…..
الخطبة الثانية
الحمد لله..
أيها الأحبة، لقد شَوَّه بُعدَنا عن ديننا هذه الصورة المشرقة من رحمة دين الإسلام، شوهها حُبنا للدنيا وتعلقنا بها وتفضيلها على الآخرة، فقد جعلت الدُّنيا وزخارفها على قلوبنا وعيوننا وقلوبنا، والله يقول لنا: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (سورة الأعلى).
شوهها كل من يؤثر مصلحته الشخصية على مصالح الأمة، كمن يريد زيادة ثروته بالمتاجرة بأرواح العباد وصحتهم وعقولهم، .
شوهها الأب الذي لا يُربي أبناءه على حب الدين.
شوهها التاجر الذي يغش، فيُغضب الله لأجل شيكلين.
شوهها الصديق الذي يغري صديقه ويجره إلى غضب الله..
شوهها نساء كاسيات عاريات، أغضبن الله لأجل الموضة واتباعًا للهوى.
شوهها العالِم الذي يُفتي بما لا يُرضي الله طاعة لمن يُسميه ولي الأمر..
شوهها الحاكم الذي يسجن ويقتل الأبرياء، حفاظًا على كُرسيه..
أيها الأحبة الكرام، لابُد أن نعلم ونفهم قول حبيبنا ﷺ: «مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ» وفي لفظ: «لاَ يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ» وفي لفظ آخر: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَرْحَمُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ»، وفي لفظ: إِنَّ اللهَ لَا يَرحم مِن عِبادهِ إِلا الرُّحَماءُ» .
ولا ننسى أن الغيث من رحمة الله، والرزق وتسير الأحوال من رحمة الله، والتوفيق في العمل من رحمة الله، والنجاح في الامتحانات رحمة من الله، والنصر على الأعداء من رحمة الله، ولا يُمكن أن ننالها إلا إذا كُنا رُحماء بأنفسنا وبغيرنا..
بل لا يَبِرُّكَ أبناؤكَ إلا إذا كُنت رحيمًا، لأن البر رحمة من الله لا ينالها إلا الرحماء.. فالرحمة سمة من سمات المجتمع المسلم الحق، ففي الحديث: (مثلُ المُؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم مثلُ الجسدِ) .
أيها الأحبة، إن الشقاء الذي يغرق به المسلمون اليوم، من أهم أسبابه ترك الرحمة على الخلق، ألم يقل حبيبنا ﷺ: (لا تُنزَعُ الرحمةُ إلا مِنْ شقيٍّ)؟
من يرحم الخلق فالرحمن يرحمه * ويكشف الله عنه الضر والبأسا
ففي صحيح البخاري جاء متصلاً * لا يرحم الله من لا يرحم الناسا
اللهم ارحمن برحمتك.. اللهم لا تحرمنا رحمتك بذنوبنا.. اللهم لا تكلنا إلا أنفسنا طرفة عين..