خطبة حُرمة الدماء

خطبة حُرمة الدماء 19-11-2021م

الحمد لله..

أما بعد، فإن الخطيب والله لا يدري عن ماذا يتكلم.. هل عن الأمراض والأوبئة التي تعيشها البشرية.. أم عن الفتن والابتلاءات التي تعيشها الأمة الإسلامية.. أم عن الهرج والقتل والتشريد والحروب والدمار التي تُعاني منها هذه الأمة.. أم عن القتل واستخدام السلاح والشِّجارات التي تحصل في بلادنا على أدنى وأقل مشكلة.. وعلى أتفه الأسباب.. وأوهى الحُجج..

ما دخل البيوت كي تُهدم؟ وما دخل المحلات تُحرق وتُنهب؟ وما دخل الناس الآمنين يُروعون؟

أيها الأحبة، إن هذا لشيء عجيب من شعب أولاً هو شعب مسلم؛ المفروض أن يخاف الله ويتقيه..

ثانيًا: هو شعب تحت الاحتلال ويُعاني من اعتداء اليهود يوميًا عليه وعلى أرضه، فيحرق المساجد والبيوت والمزروعات.. ويقتل الرجال والنساء دون أي سبب.. ولم ينجُ منهم حتى الأسرى الذين يُحرمون من العلاج..

فترى أحدَنا ينتهكُ الاحتلالُ حُرمة بيته ويُروعون نساءه وأطفاله ولا يتفوه بكلمة.. بينما عند أتفه مشكلة وعلى (صفّة سيارة) يقتل الناس ويعتدي على الآخرين ويحرق البيوت.. أي عار هذا؟

ثالثًا: هو شعب من المفروض أن يكون متعلمًا واعيًا.. لا ينبغي أن يقع في الفتنةِ والشَّرِّ الشِّجارات.. فالعاقل لا يطيش على شبر (مَيَّة) فينشر الإشاعات ويُروّج للكذب ويفتح أبواب الفتن..

إذا كان رسول الله ﷺ نهى عن الإشارة إلى مسلم بسلاح، ولو كان مزاحًا؛ سدًّا للذريعة، وحسمًا لمادة الشر التي قد تُفْضِي إلى القتل والجُروح؛ فقال: «لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار» (متفق عليه)، وفي رواية قال ﷺ: «من أشار إلى أخيه بحديدة» مجرَّد إشارة.. «من أشار إلى أخيه بحديدة؛ فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع، وإن كان أخاه لأبيه وأمه» (رواه مسلم).

فما بالكم بمن يحملها ليقتل؟ فقد شاعت في الآونة الأخيرة حوادث القتل والشجارات بشكل مخيف، حوالي أربعين حالة قتل منذ بداية السنة.. وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على قلة الإيمان، وقلة الخوف من الله التي تملأ قلوب هؤلاء الذين يفتعلون طوشة ويقتلون لأتفه الأسباب، فَقَسَت قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة.

أنستنا جاهليتُنا قول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (النساء:93).

أنستنا حميتُنا قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (الأحزاب:58).

غفلت عقولُنا عن قوله تعالى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ (المائدة:32).

أنستنا عصبيتُنا قول رسول الله ﷺ: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قالوا: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصاً على قتل صاحبه». (متفق عليه).

أنستنا عصبيتُنا قوله ﷺ: «كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله» (رواه مسلم).

أنستنا عصبيتنا قوله ﷺ: «والذي نفسي بيده لقتل مؤمنٍ أعظم عند الله من زوال الدنيا». (صحيح: رواه النسائي).. وأن قتل المسلم من الكُفر، قال ﷺ: «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» (رواه البخاري) ، وقوله: «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً» (رواه البخاري).

فأي جهل وضعف وخور وضلال وفجور وظُلم يخوض فيه الكثير منا؟؟

لقد أصبح قتل الإنسان عندنا رخيصًا؛ لأن الدِّين أصبح في حياتنا رخيصًا.. أصبح القتل رخيصًا لأننا عظمنا الدنيا ونسينا الآخرة، ويروى عن الحبيب ﷺ قوله: (إِذَا عَظَّمَتْ أُمَّتِي الدُّنْيَا نُزِعَ مِنْهَا هَيْبَةُ الإِسْلامِ).. ضحينا بديننا وبإسلامنا لأجل دونم أرض.. أو دنانير وشواقل معدودة..

أين قلوب المسلمين التي إذا ذُكر الله وجلت وخافت؟ أين عقول المسلمين التي إذا قيل لها اتقي الله لم تأخذها العزة بالإثم؟..

أيقتلُ مسلمٌ منـا أخــاهُ***ويرمي بالرصاص له جبينه؟

أيَقْتُلُه لأجلِ حُطامِ دُنيـا *** أيَقْتُلُهُ عـلى نُتَفٍ لعِينَه ؟

ألا أين السماحةُ والتآخي *** وأين عرى أُخوتِنَا المتينه

بَنَيْنَا بـالـمحبةِ مـا بَنَيْنَا *** وما باع امرؤٌ بالقتلِ دينَه

علام نَسُدّ أبواب التآخي***ونسكن قاع أحقاد دفينه

وترجون من الله بعد ذلك نصرًا.. وترجون من الله بعد ذلك عزًا.. وترجون من الله بعد ذلك رزقًا.. وترجون من الله بعد ذلك توفيقًا وتيسيرًا.. ونرجوا من الله تحريرًا لبلادنا وللأقصى وقلوبنا في ظل الاحتلال الجاهلي؟!. إن هذا لشيء عُجاب..

أقول قول هذا….

الخطبة الثانية:

الحمد لله..

اسمعوا أيها الأحبة إلى هذا الحديث الصحيح الذي يُحدثنا به أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، يقول، قال النبي ﷺ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَهَرْجًا».

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْهَرْجُ؟

قَالَ: «الْقَتْلُ».

فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَقْتُلُ الْآنَ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا!.

فَقَالَ ﷺ: «لَيْسَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَابْنَ عَمِّهِ وَذَا قَرَابَتِهِ».

فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَعَنَا عُقُولُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ؟!

سؤال سأله الصحابة لأنهم يعلمون أنه لا يقتل أخاه إلا مجنون لا عقل له.. يعلمون أنه لا يقتل أباه إلا مجنون لا عقل له.. يعلمون أنه لا يقتل أخته إلا مجنون لا عقل له.. يعلمون أنه لا يقتل ابنته إلا مجنون لا عقل له.. يعلمون أنه لا يقتل أخاه المسلم إلا مجنون لا عقل له..

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لا، تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ لا عُقُولَ لَهُمْ» (صحيح: أخرجه ابن ماجة)..

فإذا لم يتحرَّك أصحاب العقول لوقف من لا عقول لهم.. فكبِّروا على المجتمع كلِّه أربع تكبيرات، فإنه مجتمع ميّت..

اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين..