خطبة الاستعداد رمضان 25-3-2022م

خطبة الاستعداد رمضان 25-3-2022م

الحمد لله العليم العلام، ذو الفضل والإنعام، له الحمد والثناء أن قَرَّبَنا من شهر الصيام، وأشهد أن لا إِله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خير من صلى وصام، وعلى آله وأصحابه الأطهار الأبرار الكرام.

 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102).

أما بعد، فيا عباد الله: يحدثنا الصحابي الجليلُ، أحدُ العشرة الكرام المبشرين بالجنة، طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ ا أنّ رجلين مِنْ قبيلة بَلِيٍّ، قد أسلما في وقت واحد، وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ فَاسْتُشْهِدَ، وَعَاشَ الآخَرُ سَنَةً حَتَّى صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ مَاتَ، فَرَأَى طَلْحَةُ رضي الله عنه أن الثاني دخل الجنة قبل الشهيد، فاستغرب طلحة ا من هذه الرؤيا، وحدَّث بها أصحابَه فاستغربوا من ذلك، إذ كيف يدخل الجنة رجلٌ مات ميتة عادية قبل الشهيد؟

فسألوا النبي ﷺ وقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا، وَاسْتُشْهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَدَخَلَ هَذَا الْجَنَّةَ قَبْلَهُ، كيف ذلك؟! فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ بِسَنَةٍ؟) (وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا فِي الْمَسْجِدِ فِي السَنَةِ؟). قَالُوا: بَلَى. فقَال: (فَلَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ!). رواه أحمد وصححه ابن حبان.

أيها الأحبة: أيام تتكرر.. وشهور تتوالى.. وسنين تتعاقب.. ولا يزال هذا الضيف العزيز ينشر عبيره على الأنام في الأيام الشهور والأعوام.. وفي مدينة سيد الأنام ﷺ، كانت البشرى تُزَفُّ لأولئك الأطهار، من الصحابة الأخيار، يزفها النبي ﷺ بقوله: (أتاكم رمضان ، شهر مبارك ، فرض الله عز وجل عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب السماء ! وتغلق فيه أبوب الجحيم ! وتغل فيه مردة الشياطين!) رواه النسائي وصححه الألباني.. إنها البشارة التي عمل لها العاملون.. وشمر لها المشمرون.. وفرح بقدومها المؤمنون.. فأين فرحتك؟! وأين شوقك؟! وأنت ترى الأيام تدنو منك رويداً رويداً، لتضع بين يديك شهر رمضان المعظَّم .

عباد الله: إن هذا الضيف الذي اقتربَ موعد وصوله ضيف عظيم مبارك، فينبغي علينا أن نستقبله أعظم الاستقبال، واستقباله اللائق به يكون بأمرين مهمين:

أولا: تجديد الحياة وتطهيرها حتى تصلح لاستقبال هذا الضيف العظيم الاستقبال اللائق به، وإنما تجدد الحياة بفتح صفحة جديدة نقية، صفحة طاهرة نظيفة، ولا يكون ذلك -يا عباد الله- إلا بالتوبةِ الصادقة، التوبةِ إلى الله تعالى، والرجوع إليه وإلى شَرعِهِ المطهر، بإصلاح حياتنا وبرامجنا ومعاملاتنا وأخلاقنا ولقاءاتنا واجتماعاتنا لتتوافق مع مُراد الله، الذي يأمرنا فيقول {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور:31).

تجديد الحياة وتطهيرها لكي تتقبل أمر الله تعالى وترفض ما يُخالفه.. تتقبل عدله وحكمته.. تتقبل شرعه وتشريعه.. تتقبل هديه وهدايته.. تتقبل أحكامه ونظامه، وترفض كل ما يُخالفها من تشريعات وضعية ظالمة جائرة، كتلك التي يروج لها بعد المنحرفين عن القيم والعادات، كسيداو وغيرها.

أما تذكرون -أيها الأحبة الكرام- كيف كنا نُكَنّس ونَغسِل أسطح المنازل قبل وصول المطر حتى نحصل على ماء نظيف؟ فينبغي أن نُنَظّف قلوبنا وعقولنا وأفكارنا وتفكيرنا قبل رمضان حتى نخرج منه بقلب نظيف تقي سليم.. علينا أن نُكَنِّس أدران قلوبنا حتى نحصل على رمضان نظيف ومُتَقَبَّل.

إن علينا أن ندخل رمضان بحياة جديدة.. بنفس زكية.. بقلبٍ كالأرض الخصبة ينبت فيه كل خير وكل بِرّ وكل صلاح.. فينعكس ذلك على العبادات التي تزيد.. وعلى الأخلاق التي تَطهُر.. وعلى المعاملات التي تَصلُح لنصل بها إلى رضوان الله.

علينا أن نعيش حياةً في رمضان مختلفة عن الحياة قبله، فَنُصلح حياتَنا ونجددها ونصفيها من كل الشوائب، التي عَلِقتَ بها في جميع الشهور السابقة.

وهذا ما عبَّر عنه جابر بن عبد الله رضي الله عنه بقوله: “إذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُك وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ والْمَحَارِمِ، وَدَعْ أذى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْك وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يومَ صِيَامِكَ، وَلاَ تَجْعَلْ يومَ فِطْرِك وَصَوْمِكَ سَوَاءً”.

فيا لَخَسَارَةِ مَن دخل رمضان وما زال تاركًا لصلاته.. ويا لخسارة من دخل عليه رمضان وهو ما زال عاقًّا لوالديه.. ويا لخسارة من دخل عليه رمضان وهو غارق في الظلم والمعاصي، ويا لخسارة من يدخل عليه رمضان وهو ما زال يُدافع عن أحكام تخالف شرع الله ويُروّج لها.. ولم يُغَيّر في حياته إلى الأفضل.

هناك أيها الأحبة نواقص كثيرة نحتاج إلى أن نقف فيها مع أنفسنا وقفة صدق وجد، ونُغَيّر ونُبَدّل إلى ما يُرضي الله، لتعود صفحاتنا بيضاء نقية، ونحصَّل على غاية الصيام وهي التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:183).

أقول قولي هذا….

الخطبة الثانية:

الحمد لله….. أما بعد، أيها الأحبة، فإنَّ الأمر الثاني الذي يجب أن ننتبه إليه قبل رمضان هو بزرع هذه الأرض التي استصلحناها.. هذه القلوب التي طهرناها بترك عاداتنا السابقة وبرامجنا المثبّطة، والاستكثار من النوايا الصالحة، والعزم على فعل الخيرات، وما يُصلح النفس والمجتمع والبلاد.

ليس استعدادنا لرمضان فقط بشراء الأطعمة والأشربة فقط، بل نستعد استعدادًا إيمانيًا حتى لا يكون رمضان مجرد عادةٍ من العادات، أو عبادةٍ جوفاء يعملها الإنسان من غير استشعار لعظمتها وأهميتها.

أيها المؤمنون: مما ينبغي الاستعداد به لشهر الصيام المحافظة على الصيام مِن أن ينقص أجرُه، فهذا أبو عبيدة عامر بن الجراح ا وهو أحد العشرة المُبَشَّرين بالجنة، يحدثنا أن النبي ﷺ قال: (والصوم جُنَّةٌ ما لم يُخَرِّقها). رواه أحمد والنسائي. يُخرّقها المعاصي والظلم والجور والبغي ومحاربة الشرع.

وقد بيَّن لنا الصادق المصدوق ﷺ اختلاف سعي الناس في الاستعداد لرمضان، فقال: (ما أتى على المسلمين شهر خير لهم من رمضان ، ولا أتى على المنافقين شهر شر لهم من رمضان، وذلك لما يُعِدُّ المؤمنون فيه من القوة للعبادة، وما يُعِدُّ فيه المنافقون من غَفلات الناس وعوراتهم، هو غُنْمٌ للمؤمنِ ونِقمَةٌ للفاجر) أخرجه الإمام أحمد وابن خزيمة في صحيحه.

وقوله ﷺ: (وما يُعِدُّ فيه المنافقون من غَفَلاتِ النَّاسِ وعَوَراتِهم) يعني أن المنافقين يستعدون في شهر رمضان لإيذاء المسلمين في دنياهم ودينهم، وكأن رمضان غنيمة اغتنموها، وهو في الحقيقة شر لهم لو كانوا يعلمون ما أعده الله لهم في الآخرة من العذاب المقيم والحرمان من النعيم، وما أدق هذا الوصف في حق بعض أهل الفن والإعلام الذين يغتنمون موسم الطاعة لصد الناس عن سبيل ربهم، وفتنتهم عن طاعة الله عز وجل، وقد رأيتم وسمعتم بما أعده ويُعِده الإعلام الكاذب المنافق من مسلسلات وأفلام لأجل تشويه الإسلام والمسلمين.

فإذا كان دعاة الباطل واللهو والفجور تتعاظم هِمَمُهُم في الإعداد لغواية الخلق في هذا الشهر، بما يذيعونه بين الناس من مسلسلات ورقص ومجون وغناء وتشويه لدين الله ولأحكامه وشرعه، فحريٌ بأهل الإيمان أن ينافسوهم في هذا الاستعداد، ولكن في البر والتقوى والصلاح والإصلاح .

رَحيقُ الزهرِ ضاعَفَ من شَذاهُ * شوقًا لشهر الصومِ حينَ أتاهُ

والقلب يدعو والفؤاد مناديًا * يـا رب يــا ذا الجـودِ بَلِّغناهُ

أكرم به مـن زائـرٍ لا ينقضي * إلا بعـتـقِ رقاب مـــن أَدّاهُ

يا رب في رمضانَ وحّد شعبنا * واجمع على الحق الجليّ هُداهُ

وانشر عبير العدل في أركانهِ * وانْفُضْ غُبَارَ الظُّلمِ عن أقصاهُ

     اللهم بلغنا رمضان.. اللهم أعنا على صيامه وقيامه على الوجه الذي يُرضيك عنا يا كريم..