أخلاق رمضان

أخلاق رمضان 8-4-2022م، 7 رمضان 1443هـ

تعديل 2 رمضان 1444 هـ ، 24-3-2023م.

الحمد لله الذي أعظم على عباده المنة.. ودَفَعَ عنهم كيد الشيطان وخيّب أملهُ وظَنّه.. وجعل الصوم حصناً لعبادهِ ووِقايةً وجُنَّة..

   أشهدُ أن لا إِله إلا الله الذي مَنَّ علينا بكرمٍ منه وفضل بأن بلّغنا شهر رمضان المعظم.. وأشهد أن محمداً ﷺ عبدهُ ورسولُهُ الذي يقول: (الصَّومُ نصفُ الصبر) والصابرونَ يُوَفيهم ربُّهم أجرَهم بغير حساب..

أما بعدُ أيها الأحبة الكرام.. كم يشتاق المسلم لرمضان.. رغم ما يُعانيه هذا الشعب المكلوم.. هذا الشعب المضطهد المظلوم.. رغم القتل والتشريد.. رغم الاحتلال وجرائمه التي لا تعرف حُرمة لرمضان ولا لغيره.. إلا أن فرحة هذا الشعب برمضان جلية بينة، فالمسلم الصادق، ما أن يسمعَ خبرَ رؤية هلال الشهر المعظم حتى يمتزجُ شعورُ الفرحةِ عندهُ بالشوقِ والحنين.. ولعل عينُه قد دمعت.. والنفسُ قد ابتهجت.. فما لنا لا نبتهجُ ونفرح وقد دخلنا في ظلال شهر الرحمات.. وعبرنا حُدودَ شهر العفة والنقاء.. والطُّهرِ والصفاء..

كيف لا نفرح ونحنُ نمتثل أمرَ ربِّنا العظيم جلّ جلالُه بصيام سيّد الشهور..

كيف لا نفرح وقد أُغلِقت أبوابُ النار السبعة فلم يُفتح منها باب.. فُتّحت أبواب الجنة الثمانية، لتستقبل الصائمين والشهداء.. فلم يُغلق منها باب..

كيف لا نفرح بتصفيد الشياطين التي طالما حجبتنا عن الطاعات، ودفعتنا إلى المعاصي..

كيف لا نفرح ودُعاؤنا مُستجابٌ ونحنُ صائمون.. فكم يحتاج هذا الشعبُ وهذه الأمة من الدعاء.. أن يصرف الله عنها شر المحتلين والمعتدين.. وأن يحمي المجاهدين.. وأن ينصرنا وأن يُمكن لنا.. كم منا من يحتاجُ إلى الدعاء.. بأن يُصلحَ الله أحوالهُ.. وأن يهديَ أولادَهُ.. وأن يشفي مرضاهُ، وأن يُنجي أبناءَهُ وبناتهُ من الفتن.. وأن يُنجحهم في دراستهم وأعمالهم، وأن يُنَفّسَ عنه كَربهُ.. وأن يتقبل منه طاعاتَهُ..

كيف لا نفرح وكل رمضان يأتي يكشف لنا أن فينا بقية من أبي بكر وعمر وعُثمان وعلي وخالد وسعد والمقداد والمثنى.

كيف لا نفرح وللهِ عُتقاء من النار.. النار.. وما أدراكم ما النار.. للهِ عُتقاء من النار في رمضان.. وذلكَ كُلَّ ليلة.. فمنهم من يُعتق لصيامه.. ومنهم من يُعتق لقيامه.. ومنهم من يُعتق لصبره.. ومنهم من يُعتق لجهاده وثباته وتضحيته..

كيف لا يُهنِّئ بعضُنا بعضاً وموسم الخيراتِ والبركات قد جاء لينشُرَ عبيرَهُ بين الناس.. موسم جني الحسنات ومُضاعفة الأجور.. موسم التخفيفُ من السيئات والمنكرات.

رمضان.. يُنادي في بدايته مُنادٍ من السماء: يا باغي الخير أقبِل.. ويا باغي الخير أقصر.. فهذا أيها الناس موسم الخير الذي لا مكان للشر فيه.. موسم للعزة فلا مكان للذل والضعف فيه.. موسم الفوز ولا مكان للخسارة فيه..

قد أتى رمضان لينادي كُلَّ المسلمين: يا من طالت غيبيتُهُ عن ربّهِ قد أتت أيامُ المُصالحة.. يا من دامت خسارتُهُ في دُنياه قد أقبلت أيامُ التجارة الرابحة.. فمن لم يربح في هذا الشهر، فمتى سيربح؟ ومن لم يقترب من مولاهُ في هذا الشهر فمتى سيقترب؟ فإنَّ ربَّ العزة تبارك وتعالى يُنادي: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} (الزمر).

ألم تسمع أيها الحبيب إلى قول رَبِّكَ العظيم: (من أتاني يمشي أتيتُهُ هرولة).. فهذا شهر الإسراع إلى الله.. شهر الإنابة والقرب من الخالق الرحيم.. فقد صَحّ في الحديث أن من أدرك هذا الشهر ولم يُغفر لهُ أبعدهُ اللهُ وطردهُ من كُلّ أنواع الخير..

أحبتي في الله.. إن من أهم أخلاق رمضان خُلُق الصبر، الذي يتمثل بتحمل الجوع والعطش وترك الشهوات والابتعاد عن الشبهات، ويتمثل في تحمُّل الآخرين وحُسن الظن بهم، ويتمثل بالصبر على مقارعة ومواجهة الأعداء وجرائمهم التي لا تخفى على الله، فيا أهل الشهداء اصبروا وصابروا، فإنهم ينتظرونكم على الحوض، حيث الأنبياء والصحابة والصديقون، في مقعد صدق عند مليك مقتدر..   

رمضان شهر الصبر الذي يتمثل في  المواقف الشديدة فلا يغضب الصائم ويعمل طوشة على أقل وأتفه الأسباب، وإلا كيف سيأخُذ جائزة: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}؟ ولا تقول: (بقدرش أصبر).. (مهو استفزني).. لا.. بتقدر تصبر؛ لأن النبي ﷺ يقول: «مَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ» يعني جَرِّب صَبِّر نفسك فإن الله يُصبرك ويُثبتك.. ثم قال ﷺ: «وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ»

يقول معاذ بن جبل ا: “إن السلعةَ إذا رَخُصَ سعرُها اشتراها كُلُّ أحد، ونحن لا نشتري إلا الغوالي”.. ألا إنَّ سلعة الله غالية.. إلا إنَّ سلعة الله الجنة..

أقولُ قولي هذا………………….

الخطبة الثانية: الحمد لله…..

أيها الأحبة: رمضانُ شهرُ التغيير للأحسن في الأخلاق وفي المعاملات وفي العبادات.. رمضان.. تُفتحُ فيه أمامَكَ سُبُل الفلاح.. ما عليكَ سوى رُكوبُ موجاتهِ.. والتعرّضُ لنفحاتهِ بزيادة الطاعات والابتعادِ عن كُل ما لا يُرضي الله.. فرمضان شهرُ التوبة.. نعم شهر التوبةُ الصادقة امتثالاً لأمر الخالقُ جل جلالُه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَةً نَصُوحًا}.. أتدرونَ ما سيجزيكُم ربُّكُم تبارك وتعالى على هذه التوبة؟ سوفَ يُعلِن في الملأ الأعلى أنهُ يُحبُّكم.. ألم يقل جل جلالُه: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}..

فمهما عَظُمت الذنوب فإنها أمام توبة رمضان تُمحى.. مهما ازدادت المعاصي فإنها أمام عفو الله قليلة..

ألم تسمعوا إلى قول الله تعالى لكم: (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة).

فتصوّر نفسكَ يا عبد اللهِ عندما يُنادي العظيم جلّ في عُلاه: (أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني؟) فيرفعُ أحدَنا يدَهُ ويقول: أنا يا ربّ.. أنا مسحتُ من جوالي كُلّ الأرقام المشبوهة.. ومسحتُ كُل الرسائل والمقاطع التي لا تُرضيك.. وآخر يقول: أنا يا ربِّ تركتُ الربا مع حاجتي للمال لأنه يُغضبُكَ.. وآخر يقول: أنا يا ربّ تركت العمل في محلّ الخمر ابتغاء رضاك.. وآخر يقول: أنا يا ربّ أديتُ الحقوق إلى أصحابها ابتغاء رضاك.. وترفعُ مُسلمةٌ رأسَها وتقول: أنا يا ربِّ لم أترُك حجابي إرضاءً لك رُغم الحر ورُغم المنتقدين.. وآخر يقول: أنا يارب.. ضحيت بروحي ونفسي لأجل دينك ولأجل إعلاء كلمتك.. لأجل فلسطين والأقصى..

عندها يُنادي الملكُ جلّ جلالُه: ( اليومَ أُحِلُّ عليكُم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً)..

فهنيئاً لكَ يا من قُلتَ عند الفتن: إني أخاف الله.. فجزاؤُكم أنكم في ظلّ عرش الرحمن يوم لا ظلَّ إلا ظِلُّهُ.. فمن عاد إلى الصلاة بعد أن قَطَعَها، خوفاً من الله فهو في ظلّ عرشه.. ومن قطع علاقَةً مُحَرَّمةً خوفاً من الله فهو في ظلّ عرشه.. ومن عَفَّ عن نظرٍ مُحَرَّمٍ خوفاً من الله فهو في ظلّ عرشه.. ومن نَصَر دين الله بنفسه وماله فهو في ظل عرشه.. هنيئاً لكَ أيها المسلم، يا من يُباهي رَبُّكَ بكَ الملائكة ويقولُ عنكَ: (يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)..

أيها الشباب.. ليست الرجولةُ في عضلاتٍ مفتولة.. ولا في سياقة السيارات بسرعة جنونية؛ سواءً كانت قانونية أو مشطوبة.. ولا الرجولة برفع سماعات السيارات لتزعج الناس في أنصاف الليالي حتى ولو كانت قرآن أو أغاني وطنية.. بل الرجولة في الترفع عن المعاصي والبعد عنها.. الرجولة أن تستجيب لربك، وتقدي بأخلاق نبيِّكَ..الرجولة أن تُضحي لأجل دينك ووطنك ويرى اللهُ منك الصدق والإخلاص.

اللهم كما بلغتنا رمضان فأعنا على صيامهِ وقيامه.. اللهم أعنا على استغلال أوقات رمضان في ما يُرضيك.. اللهم ثَبّت المسلمين على دينكَ، وثبّت قُلوبهم على طاعتكَ..

اللهم انتقم من المحتلين المجرمين الظالمين، اللهم من أراد بأرض فلسطين وشعب فلسطين وشباب فلسطين وبمجاهدي فلسطين خيرا فكم له عونًا يا كريم.. ومن أراد بأرض فلسطين وشعب فلسطين وشباب فلسطين وبمجاهدي فلسطين فاجعل كيده في نحره…

اللهم تقبل شهداءنا عندك في عليين، اللهم ارفع درجتهم مع النبيين والصالحين وحسُن أولائك رفيقا..

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وذنوب المسلمين….