خطبة: مثال واقعي.. 16-10-2020م

خطبة: مثال واقعي.. 16-10-2020م

عباد الله إخوانا – تجنب أذية المسلمين | موقع البطاقة الدعوي

الحمد لله الذي يُعِزُّ من يشاء ويُذِلّ من يشاء بيده الخير.. أشهد أن لا إِله إلا هو العزيز المتين.. وأشهد أن محمدًا ﷺ عبده ورسوله الصادق الأمين..

جَلَّ الذي بعثَ الرسولَ رحيمًا*بين الأنامِ مُعلِّمًا وكريمًا

يا أيها الراجونَ منه شفاعةً * صلوا عليه وسلمُوا تسليمًا


أما بعد: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)﴾ (البقرة).

أيها الأحبة الكرام.. يقول الله تعالى عن يوم القيامة: ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111)﴾ (النحل).. فهناك يُجادل كل واحد عن نفسه، حتى الأنبياء يقولون نفسي نفسي.

لكن في سورة المعارج يَضرِبُ لنا مِثالاً لِرَجُلٍ وصفه الله تعالى بأنه “مُجرم”، أبرز صفة فيه الإجرام، والمجرم بطبيعته يُحب نفسَهُ فقط، ويُضحي بكل شيء لأجل مصلحته الشخصية، كما نرى اليوم من المجرمين الطغاة الذين يُضحون بشعوبهم لأجل حُكمهم، ويُضحون بدينِهم وبلادِهم وأرضِهم ويبيعونها لليهود أو للشرق أو الغرب لأجل أن يبقى ملتصقًا بالكرسي، أو لأجل حطام الدنيا الزائل.. أو يؤذي الناس بشتى أنواع الأذية ليظهر أنه الأقوى وأنه أزعر لا يخاف من أحد، كما حصل في الأردن قبل أيام، وكما رأينا ونرى في كل مكان من بلادنا.

يقول تعالى: ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11)﴾ فأول صفقة يُقدّمها لله: أنقذني من النار وخُذ أولادي.. فلذة كبده، الذين تعب لأجلهم في الدنيا، فبنى لهم البيوت، وزوجهم وتعب لأجل أن يعيشوا أفضل عيشة، على حساب دينه وصلاته وحجه.. يُقدمهم أول صفقة، فلا يقبل الله.

ثم يزيد: ﴿وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12)﴾ خُذ أيضًا زوجتي وإخواني، فلا يقبل الله.. ثم يزيد: ﴿وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13)﴾ خُذ كل عائلتي، وكل قبيلتي، أو خُذ أُمي، لكن أنقذني من النار، فلا يقبل الله.

عندئذٍ يَجُنّ جنون هذا المُجرم، ويفقد عقله، فيقول: ﴿وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14)﴾ يعني: خُذ كل من في الأرض جميعهم، لتُنجيني من النار.

فلا يقبل الله، ويقول له: ﴿كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15)﴾، (لظى) يعني: تلتهبُ وتشتعلُ وتتغيَّظُ وتستعد لتعذيب من سيدخُلَها؛ لأنه كان بارعًا في تعذيب الناس في الدنيا.. لأنه كان مُتقنًا لأذيَّةِ عبادِ في أنفسِهِم وأموالهم وأعراضهم وأرزاقهم.. ونسوا بأن المسلم الحقيقي هو من سَلِمَ الناس من أذى يَدِهِ ولسانِه.. نسوا بأن المؤمن الحقيقي هو من أمِنهُ الناسُ على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.. نسوا أن اللهَ يقول: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (58)﴾ (الأحزاب).

فإذا كانت امرأة شهد لها النبي ﷺ بأنها من أهل النار لأنها آذت حيوانًا أليفًا صغيرًا، فما بالكم بمن يؤذي الأطفال والرجال والنساء بشتى أصناف التعذيب والإيذاء؟ إذا كان الاعتداء على عصفورٍ بدون وجهِ حقٍ يستحق صاحبه اللعنة، فما بالكم بمن أصبح العدوانُ على العباد ديدَنَهُ، فيفرح ويفتخر بظلمه وقساوته؟

إلى الله نشكو الحال التي وصلنا إليها؛ حيث أصبح كثيرٌ من الناسِ ذئابًا في ثياب بشر، لا يهدأ لهم جَنْب ولا تنام لهم عين إلا إذا باتوا على أذى العباد، وتَتَبُّع العورات وتَصَيُّد الزلات والعثرات..

هؤلاء المجرمون؛ لا تُقبل كل عُروضِهم التي عرضوها، بل لو أن أحدهم جاء بأهل الأرض جميعًا، وجاء بقراب الأرض ذهبًا ليفتدي نفسه من عذاب الله، فإن الله لا يقبل منه، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36)﴾ (المائدة).

وفي ذلك -أيها الأحبة- رسالة إلى كل أرملة قُتِل زوجها ظلمًا.. إلى كل ثَكْلى فَقْدت أولادها غدرًا.. إلى كل يتيم قُتِل أبوه أو سُجن أو اعتُقل أو عُذِب بغيًا وعُدوانُا.. إلى كل فقير هُدِّمت دارُه غصبًا..

وفيه أيضًا رسالة إلى كل من باع دينه بدنيا غيره.. أو باع نفسَه ليُرضي اليهود والنصارى.. لكل يستمتع بأذى العباد ويبذل كل جُهده في ذلك، يروى أن رسول الله ﷺ يقول: (ثلاث مَن فَعَلهنَّ فقد أجرم: مَن عقَد لواء في غير حق، أو عَقَّ والديه، أو مشى مع ظالم يَنصُره فقد أجرم، يقول الله: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ (السجدة: 22))..

أقول قولي هذا…………………….

الخطبة الثانية: الحمد لله…………………………..

أما بعد.. أيها الأحبة الكرام.. إن أعظم جُرم يرتكبه إنسان، هو أن يرى آيات الله ثم يتولى مستكبرًا عنها: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ (السجدة:22).. يقرأ في كتاب الله: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ فيُشرك معه البشر والحجر..

يقرأ قول الله: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ فيقطع صلته وعلاقته بخالقه جل جلاله.

يسمع الله يقول: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ فيجعلهم أولياء وأحباء..

يسمع: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ ولا يكترث بأولاده ولا بأهله.. بل يُشجعهم على المعصية..

فهو يُعارض كل أمر رباني دائمًا..

فما هو الحل؟ ما هو الحل حتى لا نكون من المجرمين؟ الحل في خمس كلمات ربانية.. خمس كلمات فقط كفيلة بإصلاح الفرد والمجتمع.. بل العالم كله.. لو طبقناها في حياتنا، الحلّ: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا﴾.. باختصار: طبقوا التعليمات الربانية تُفلحوا.. خذوا على أيدي الظلمة والمجرمين وامنعوهم، وإلا فإن العذاب الرباني سيشمل الجميع، قال ﷺ: «إِنَّ النَّاس إِذا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَم يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيه أَوشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ»[1].

اللهم أصلح أحوال المسلمين..


[1] أخرجه الترمذي (4338)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1564).