ما صحة قصة الصحابي حُدَيْر

 سؤال: ما صحة قصة الصحابي حُدَيْر حينما نسي النبي أن يعطيه التمر وهو في الغزو وقال (أمَا إنك لو رفعت رأسك إلى السماء لرأيت لكلامه ذلك نورًا ساطعًا ما بين السماء والأرض) ؟

الجواب : إن الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده .

  قصة الصحابي حدير سندها ضعيف وقد ذكرها ابن الجوزي رحمه الله في كتابه “صفة الصفوة” (1/ 743) ورواها عن ابن عمر رضي الله عنهما ولم يحكم عليها بشئ ، فمن قال بغرابتها ؟ وابن الجوزي محقق كبير ولا يغفل أمرا كهذا أن تمر عليه قصة يدونها في كتابه على الأقل دون التنويه عليها إن كانت لا تصح ولكن مع التحقيق فإن سندها ضعيف وهذا حق ، والحديث رواه أبو بكر الخلال في كتابه “الحث على التجارة والصناعة” (103) وأبو نعيم في “المعرفة” (2099) وابن الجوزي أيضا في “المنتظم” (4/ 240) من طريق أحمد بن يحيى بن عطاء به وإسناده ضعيف لضعف المغيرة بن سقلاب .

  وفي جميع الأحوال فعلماء الحديث والسلف الصالح لا يشددون في أبواب الرقائق والفضائل والمغازي طالما لم يتعلق الأمر بأحكام الحلال والحرام ، وهذا منصوص عليه في كتب مصطلح الحديث عن كبار أئمة الحديث ، وإذا كانت الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أبواب الزهد والرقائق والأخلاق والآداب قد سهل العلماء في وراياتها وقبول أسانيدها ، ما لم يسهلوا في أبواب العقائد والأحكام هذا مع ما في باب التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر والتشديد ، فكيف بما ينقل عن الصحابة والسلف الصالح وأهل العلم من السابقين ؟ لا شك أن الأمر فيه أسهل ، والرخصة فيه أوسع .

* هذه أقوال العلماء من سلف الأمة الصالح في رواية قصص الصحابة :

1- قال الخطيب البغدادي رحمه الله في “الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع” (2/213) :

[ وَأَمَّا أَخْبَارُ الصَّالِحِينَ وَحِكَايَاتُ الزُّهَّادِ وَالْمُتَعَبْدِينَ وَمَوَاعِظُ الْبُلَغَاءِ وَحِكَمُ الْأُدَبَاءِ فَالْأَسَانِيدُ زِينَةٌ لَهَا وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِي تَأْدِيَتِهَا . ] اهـ.

2- وقال الخطيب البغدادي رحمه الله في “الكفاية” (ص133) :

[ قد ورد عن غير واحد من السلف أنه لا يجوز حمل الأحاديث المتعلقة بالتحليل والتحريم ؛ إلا عمن كان بريئا من التهمة بعيدا من الظنة .

وأما أحاديث الترغيب والمواعظ ونحو ذلك فإنه يجوز كتبها عن سائر المشايخ . ] اهـ.

3- وروى الحاكم في “المستدرك” (1/666) بسنده عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، أنه قال: ” إِذَا رَوِينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَلَالِ ، وَالْحَرَامِ ، وَالْأَحْكَامِ ، شَدَّدْنَا فِي الْأَسَانِيدِ ، وَانْتَقَدْنَا الرِّجَالَ ، وَإِذَا رَوِينَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَالثَّوَابِ ، وَالْعِقَابِ ، وَالْمُبَاحَاتِ ، وَالدَّعَوَاتِ تَسَاهَلْنَا فِي الْأَسَانِيدِ ” .

4- وقال ابن أبي حاتم في “الجرح والتعديل” (2/30) :

[ باب في الآداب والمواعظ : أنها تحتمل الرواية عن الضعاف ” .

ثم روى بسنده عن أبيه عن عبدة بن سليمان ، قال : “قيل لابن المبارك وروى عن رجل حديثاً ، فقيل هذا رجل ضعيف؟

فقال يحتمل أن يروى عنه هذا القدر أو مثل هذه الأشياء.

قلت لعبدة: مثل أي شيء كان؟ قال: في أدب ، موعظة ، في زهد. ] اهـ.

5- وذكر أبو يعلى رحمه الله في “طبقات الحنابلة” (1/425) أن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله قال :

[ إذا روينا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فِي الحلال والحرام شددنا فِي الأسانيد ، وإذا روينا عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي فضائل الأعمال ومالا يضع حكما ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد ] اهـ.

  فها هو الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إمام أهل السنة يفرق بين رواية أحاديث الأحكام وبين رواية أحاديث المغازي والفضائل .

6- وقال ابن الملقن رحمه الله في “التوضيح” (2/67) :

[ لا يجوز العمل في الأحكام ولا يثبت إلا بالحديث الصحيح أو الحسن، ولا يجوز بالضعيف لكن يُعمل به فيما لا يتعلق بالعقائد والأحكام ، كفضائل الأعمال والمواعظ وشبههما .] اهـ.

7- وقال النووي رحمه الله في “شرح مسلم” (1/125) في معرض حديثه عن أسباب رواية العلماء حديث الراوي الضعيف :

[ قَدْ يَرْوُونَ عَنْهُمْ أَحَادِيثَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَالْقَصَصِ وَأَحَادِيثَ الزُّهْدِ وَمَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ . وَهَذَا الضَّرْبُ مِنَ الْحَدِيثِ : يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمُ التَّسَاهُلُ فِيهِ ، وَرِوَايَةُ مَا سِوَى الْمَوْضُوعِ مِنْهُ وَالْعَمَلُ بِهِ ، لِأَنَّ أُصُولَ ذَلِكَ صَحِيحَةٌ مُقَرَّرَةٌ فِي الشَّرْعِ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ أَهْلِهِ. ] اهـ.

* الخلاصة :

  هذا الكلام السابق أعلاه هو فهم العلماء الثقات الراسخين في العلم في مسألة الرواية لقصص بعض الصحابة والمغازي والسير ، طالما قد خلت القصة من كذاب أو وضاع ولم تتعلق بأحكام الحلال والحرام ، ولعل بهذا نصحح مسار فوضى النقد في غير موضعه مخالفين بذلك كبار أئمة علم الحديث وعلى رأسهم إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله .

  وسامح الله من يتسرع في الحكم على الشئ لمجرد بحثه في النت وفيه الغث والثمين والخطأ والصواب دون الرجوع إلى العلماء خاصة إذا لم يكن من أهل التخصص في العلم الشرعي .

  فإذا سمع البعض هذه القصة من أحد الدعاة أو العلماء في محاضرة أو موعظة فلا يشنع عليه لينتقص من قدره وعلمه ، لأن الأمر في شأن المغازي والسير بابه واسع ما لم يتعلق بأحكام الحلال والحرام .

والله تعالى أعلم .