خطبة الحجر والشجر 20/10/2023…
الحمد لله القوي المتين، الغالب الذي لا يُغلب ولا يُقهر، أحمده وأشكره وأُثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إِله إلا الله وحده، لا يُرَدُّ قضاؤه، فعال لما يريد سبحانه، لا يتحرك من متحرك ولا يسكن من ساكن إلا بأمره وعلمه، بيده العزة والذلة، وبيده الرِّفعة والخفض ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) ﴾ .
واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى اله وصحبه أجمعين.
أما بعد، أيها الناس: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (281) ﴾.
أيها المؤمنون، جاء في الصحيحين أن النبي ﷺ قال: (لا تقومُ الساعةُ حتى يقاتلَ المسلمون اليهودَ، فيقتلُهم المسلمون، حتى يختبيءَ اليهوديُّ من وراءِ الحجرِ والشجرِ، فيقولُ الحجرُ أو الشجرُ: يا مسلمُ يا عبدَ اللهِ هذا يهوديٌّ خلفي، فتعالَ فاقْتلْه)..
وإن كنا لا نشُكّ في هذا الحديث لأنه ثبت عن النبي ﷺ، لكننا بعد ما رأينا في هذه الأحداث ازددنا إيمانا وتصديقًا أن الشجر والحجر والجمادات سوف توشي باليهود، سوف تُبلّغ عنهم للمسلمين، تلك الحجارة التي أسقطوها على رؤوس الأطفال والنساء والرجال والشيوخ.. تلك الحجارة التي أسقطوها على رؤوس المرضى والحوامل في المستشفيات.. تلك الأشجار التي لم تسلم من نارهم فأحرقوا بها العباد سوف تشهد عليهم وتوشي بهم.
هؤلاء المجرمون الذين ما تورعوا عن قتل الأنبياء: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾، فماذا تظنون من أمة تقتل أنبيائها ورجال الإصلاح والخير فيها.. أمة فقدت إنسانيتها وآدميتها.
ما تورعوا فكذبوا على الله وكذّبوا رُسُلَه وكُتُبَهُ، فحرفوها ﴿يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ فوضعوا فيه من النصوص ما يُشجعهم على القتل والتدمير، فهل تعلموا بم يأمرهم كتابهم ؟ أو ما كتبوه في كتابهم الذي يزعمون أنه مقدس؟! “اقتلوا كل ذكر من الأطفال وكل امرأة” (العدد 31: 17). فيه: “احرقوا حتى بنيهم وبناتهم بالنار” (التثنية 12: 31). فيه: “واضربوا. لا تشفق أعينكم ولا تعفوا.6 الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء اقتلوا للهلاك” (حزقيال 6:6)، فيه: “فابتدأوا بالرجال الشيوخ الذين أمام البيت. 7 … واملئوا الدُّور قتلى”(حزقيال 6:7)..
وقد طبقوا هذه الأقوال عمليًا من قبل، وما زالوا، فَقَتَلوا نبي الله يحيى، وحاولوا قتل عيسى، وحاولوا اغتيال نبينا محمد ﷺ عدة مرات، لكن الله حفظه منهم ومن مكرهم وكيدهم. رغم العهود والمواثيق ومعاهدات السلام التي بينه ﷺ وبينهم، وبعده أسسوا لكل فتنة على مر التاريخ. . وإن شئتم فابحثوا عمن أشعل الحروب العالمية الأولى والثانية.. على سبيل المثال لا الحصر..
فهم أهل الغدر فلا عهد لهم ولا ذمة، قال الله عنهم: ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ (البقرة:100) فاسمعوا يا من تُعوِّلون على اتفاقيات وسلام وحبر على ورق.
هم أهل الفساد والإفساد: قال تعالى: ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ (المائدة:64)، فهل أكثر مما نرى فسادًا وإفسادًا؟؟
هم أكثر الخلق كذبًا وبهتانًا، فإذا كانوا: ﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (آل عمران: 75)، فهل تتوقعون أن لا يكذبوا على الناس ويتهمونهم زورًا وبُهتانًا سيتورعون عن نشر وإثارة الإشاعات الكاذبة المغرضة التي تهبّط معنويات الشعب وهمته؟ وجُل الإعلام تحت أمرهم ويُروّج لروايتهم ولكذبهم.
اليهودُ في كتاب الله: قومٌ حسَّاد، مُلئت قُلوبهم غِلًا وحقدًا فلا يرونَ لغيرهم حقٌّ في أي شيء حتى في الحياة: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ (البقرة: 109).
أما جرائمهم اليوم في كل العالم وعلى أرض فلسطين بالأخص فحدث ولا حرج، فهم أساتذة الإرهاب والإجرام والقتل، ومجازرهم لا تكاد تُحصى، لهذا استحقوا أن يحكم الله تعالى فيهم بأنهم (مغضوب عليهم) إلى يوم القيامة، وجعلهم أذلاء مهانين فقال: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ﴾ (آل عمران:112).
ثلاث مرات ذُكر في القرآن وصفهم بأنهم (يعتدون)، فالاعتداء على الآخرين دينهم وديدنهم، وصفة ثابتة مُتأصلة فيهم.
استحقوا أن يُلعنوا على لسان أنبيائهم: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ﴾ (المائدة:78).
استحقوا أن يحكم الله فيهم ويقول: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ﴾ (الأعراف 167)..
بل حَكَمَ اللهُ حتى على من يُواليهم ويؤيدهم ويدعمهم وينافق لهم ويُبرر جرائمهم وينشر رواياتهم الكاذبة، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (المائدة:51).
لهذا فقد عزموا العداوة للعرب والمسلمين، بل كانوا أشد الناس عداوة كما قال تبارك وتعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ﴾.
فالمعركة بيننا وبينهم مستمرة إلى أن يأتي أمر الله، وستُطهَّر الأرضُ المقدسة من رجسهم وجرائمهم. يقول أحد قادتهم دايفيد بن غوريون: “نَحْنُ لَا نَخْشَى الِاشْتِرَاكِيَّاتِ وَلَا الثَّوْرِيَّاتِ وَلَا الدِّيمُقْرَاطِيَّاتِ فِي الْمِنْطَقَةِ، نحن نخشى الإسلام ذلك المارد الذي نام طويلا وبدأ يتململ…”، المعركة إذن مستمرة، وسيسقط فيها شهداء، ويثبت فيها شرفاء أوفياء لدينهم وأرضهم وعرضهم ومقدساتهم، ويكون هناك جبناء وعملاء، هانت عليهم أمتهم ودينهم وأرضهم ومقدساتهم، فالخزي والعار عليهم.
﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: 227)… أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:.. الحمد لله…
أيها الكرام، ما أعظم ذلك الصبر والجلد والثبات الذي رأيناه في أهل غزة، رجالاً ونساء، كبارًا وصغارًا، على الرغم من تعدد النكبات والويلات وجَور الأعداء وخيانة الأقارب والجيران وشدة الحصار، إلا أنّ ذلك كله لم يكن ليزعزع الإيمان في قلوبهم ولا الأمل في نفوسهم.
أيها الكرام، يقول ﷺ: ( واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا )، ففي صراعنا مع اليهود لا يجب أن يحدث لدينا انكسار داخلي بسبب ما نراه من قتل ودمار في صفوفنا، فنحن وإن كنا نألم فهم كذلك يألمون، ﴿وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾.. فالله مولانا ولا مولى لهم.
إن واجبنا نحو هذا الحدث الجلل وما يحدث لإخواننا في غزة الصامدة المجاهدة أن نعود إلى الله بالتوبة والإنابة نعود إلى ديننا وإلى أخلاقِ إسلامِنا، فننصره ونُطبقه في حياتنا حتى ينصرنا الله، فهو يقول لنا: ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾.
واجبنا أن نكثر من الدعاء لإخواننا في غزة، وأن نقدم لهم ما نستطيع، ففي الحديث: (والله لا يؤمن والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم به).
فواصلوا ـ أثابكم الله ـ دعمكم، فمن فرّج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن أعان مسلمًا أعانه الله، ومن نصر مسلمًا نصره الله، ومن آوى مسلما آواه الله، ومن ستر مسلما ستره الله، ومن خلف مجاهدًا ومرابطًا في أهله بخير فقد شاركه الأجر.
أيها الأحبة، قيل لأحد الصالحين: لقد طال الظُلم؟ فقال: إذاً لقد قصُر عمر الظالم.
قالوا: ما أقسى هذه المِحنة ؟ فقال: وما أعظم هذا الأجر .
قالوا: والله، كاد الأمل أن ينفد. فقال: إذاً أوشك الفرج أن يأتي.
قالوا: عجيب أمرك، أفكلّما حدّثناك بشيء حدّثتنا بعكسه ؟! من أين جئتَ بهذا؟
قال: هذا من تفسير كلام الله عزّ وجل: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ﴾.
تفاءلوا واستبشروا بفرج الله.. والنصر قريب بإذن الله..
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا… ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون… اللهم أنك قلت وقولك الحق: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ اللهم اهد أهل غزة إلى سُبل النصر، اللهم اهدهم سُبل الصبر، اللهم اهدهم سُبل التمكين، اللهم اهدهم سُبل الثبات، اللهم اهدهم سُبل الرضا بقدرك، اللهم اهدهم سُبل العزة، اللهم اهدهم سُبل الرزق، اللهم اهدهم سُبل الخير، اللهم اهدهم سُبل الغذاء، اللهم اهدهم سُبل العلاج، اللهم اهدهم سُبل الشفاء، اللهم اهدهم سُبل الدواء.
اللهم إنهم حُفاةٌ فاحمِلْهم، اللهم إنهم عُراةٌ فاكْسُهُم، اللهم إنهم جِياعٌ فأَشْبِعْهُم، اللهم إنهم مُصابون فشافهم.. اللهم إنهم مغلوبون فانتصر لهم.. اللهم إنهم مظلومون فانتقم لهم.. اللهم ثبت إخواننا المجاهدين في كل شبر من أرضك يا رب العالمين.
اللهم أرنا يومًا أسودًا في اليهود ومن شايعهم.. اللهم أنزل غضبك ومقتك عليهم وعلى من والاهم وأيدهم، اليهود و من والأهم يا رب العالمين.
اللهم إنك قلت وقولك الحق: ﴿وَضُرِبَت عَلَيهِم الذِّلَّةُ وَالمَسكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ﴾ اللهم اشف صدور المؤمنين بِذُلِّ اليهود ومسكنتهم، وحقق فيهم قولك، إنهم قد طغوا وبغوا وعاثوا في الأرض فسادا.
اللهم كما مزقوا الأطفال فمزقهم.. اللهم كما قتلوا النساء والرجال فاقتلهم.. اللهم كما يَتَّمُوا من بقي من الأطفال فَيَتِّم أطفالهم، وشردهم كما شردوا العائلات.. يا عزيز.. اللهم طهر المسجد الأقصى وفلسطين من رجزهم يا رب العالمين..