المساجد.. صانعة الرجال

المساجد.. صانعة الرجال  6/1/2012

الأردن: اعتقال موظفي أوقاف القدس سيؤدي لمزيد من التوتر | فلسطين الآنالحمد لله الذي رضي من عبادهِ بالقليلِ من العمل، وتجاوزَ عن الكثير من الزلل، أفاضَ عليهم النعمة، وكَتَبَ لهم على نفسه الرحمة، فكتبَ على باب الجنة: إن رحمتي سَبَقَت غَضَبي..

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له…

لَقَد مَددتُ يدي بالذُّلّ مُفتقراً *** إليكَ يا خيرَ من مُدّت إليهِ يدُ

فلا تَرُدَّنّـها يـا رَبّ خائبةً *** فَبَحرُ جودِكَ يروي كُلّ من يِرِدُ

وأشهدُ أن محمد ﷺ عبده ورسولُهُ، كان يقول: (ثلاثةٌ في ضمان الله عز وجل، رَجُلٌ خَرَجَ إلى مسجد من مساجد الله عز وجل، وَرَجُلٌ خَرَجَ غازياً في سبيل الله، وَرَجُلٌ خَرَجَ حاجاً)([1]).

أما بعد أيها الناس: لماذا هذه الهجمة الشرسة على المساجد؟؟ اقتحاماتٌ ومنعٌ وتدنيسٌ وانتهاك لحُرماتِها واعتداء من اليهود عليها..

أيها الناس: كما تعلمون فإن أول عملٍ عمله رسول الله ﷺ بعد هجرته هو بناء المسجد، وذلك لتظهر فيه شعائر الإسلام التي طالما حوربت ومُنِعَت، قال تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى﴾. بناهُ لِتُقام فيه الصلوات التي تربط العبد بِرَبّه، فَتُنَقّي القلب من أدرانِ وأدناس الحياة الدنيا..

أيها الأحبة: عندما بنى رسول الله ﷺ المسجد حَفَرَ له أساساً ارتفاعه ثلاثة أذرع، لكن هذا الأساس حَفَرَ في قلوب أعداء الدين خندقاً كما بين السماء والأرض.

بُني المسجد من طين، لكنه جعل الإيمان في قلوب من تَرَبّوا فيه كأمثال الجبال الرواسي..

رُفِعَت جُدران المسجد بما لا يزيد عن قامة الرَّجُل إلا قليلاً، لكن هذا المسجد رَفَعَ هِمَّة من تَرَبّوا فيه إلى السماء..

أُغلِقَت الشُّقوق في سقف المسجد بجريد النخل، لكن هذا المسجد أَغلَقَ كُلَّ الشقوق بين المسلمين فأصبحوا كَرَجُلٍ واحدٍ إن اشتكى من عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.. لا ظُلم ولا حسد ولا بغضاء.. لماذا؟ لأنهم كانوا من رُوّادِه ومن عُمّاره.

أيها الأحبة في الله: سَنَطوفُ وإياكم مع المساجد في ثلاث آياتٍ من كتاب الله المُعَظّم.

الآية الأولى: هي قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾ نعم، المساجد لله.. لكن قائلاً قد يقول: أليس الأرضُ كُلّها لله؟ بلى.. لكن الله تعالى خَصّ المساجد بِنِسبَتِها إليه جَلَّ في عُلاه لِعِظَمِ شَرَفِها، ولِعُلُوّ مكانتها وقَدرها.. كيف لا وهي أحَبُّ بقاع الأرض إلى الله([2]).. يُذكَرُ فيها اسمه كثيراً.. ويُسَبَّح ويُعَظّم جل جلاله فيها بالغُدُوّ والآصال..

فَلِعِظَمِ قَدْرِها جعل الله تعالى منعَ عِمارتَها من أعظم الذنوب وأشَدّها عذاباً، قال جَلَّ وعلا: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ لماذا هذا العذاب؟ لأنها لله..

المساجد، من بنى منها واحداً لله، ولو بِحجمِ حُفرةٍ حَفَرَها طائر، بنى الله له بيتاً في الجنة، لماذا؟ لأنها لله..

المساجد، من ذَهَبَ إِليها بُكرةً وَعَشِيّةً كافأهُ الله جلّ وعلا بضِيافةٍ كُلما غَدا أو راح، لأنها لله..

المساجد، تُضاعف فيها الأجور إلى سبعٍ وعشرين درجة، من جاءها كانت كل خُطوة له بحسنة وتَحُطّ عنه سيئة وترفعهُ درجة، لماذا؟ لأنها لله.

المساجد، مُنِعَ فيها البيع والشراء وتجارَةُ الدنيا، بل وَجَبَ أن نقولَ لمن

فَعَلَ ذلكَ: لا أربحَ الله تجارتك([3]).. لأنها لله..

المساجد، أمَرَ الله تعالى بالتوجّه إليها للصلاة، بل لم يُرَخّص للضرير الذي لم يجد سائقاً يسوقُهُ بتركها، بل أعظَم من هذا، فالحبيب ﷺ يقول: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأُحَرّق عليهم بيوتَهم بالنار)([4]).. لماذا؟ لأنها لله..

فما هُو حالُنا مع بُيوت الله؟؟ أَلَم تسمعوا بكاء المآذن بكرةً وعشيّة؟ نعم.. تبكي المآذن وتَئِنّ المحاريب والمساجد، بل وتبكي السماوات والأرض إذا غاب عنها الصالحون والصالحات.. تبكي إذا فقدت صلاة المصلين وخُشوع الخاشعين.. تبكي لفقدها عُمّارَها.. فمن يمسحُ دموعها.. ومن يرفعُ حُزنها؟؟

فما هُو حالُنا مع بُيوت الله؟؟ كُلّ مِنّا يُجيب نَفسَهُ بِنَفسه، وليتذكّر قبل الإجابة أنها لله..

أيها الناس: أما الآية الثانية، فهي قولُه جَلَّ وعلا: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ

أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾.

ارجعوا أيها الأحبة مرّةً أُخرى إلى الآية، ولاحظوا كلمة (فيه رجال)، فَعُمّار المساجد هُم الرجال الحقيقيون.. مُفَسّر القرآن يَتَخَرّجُ من المسجد، والمُحَدّث يَتَخَرّجُ من المسجد، والفقيه يَتَخَرّجُ من المسجد، والخطيب يبدأ من المسجد، والمجاهد يَتَرَعرعُ وينشأ في المسجد، والحاكم بِشَرع الله جُذورُهُ مغروسةٌ بالمسجد، والآمر بالمعروفِ والناهي عن المنكر أصلُهُ وَمَرَدُّه إلى المسجد، فَمِنْهُ تَخَرّج قادة الدنيا وصُنّاعُ الحضارة.. وبسَبَبِه أصبَحَ رُعاة الغنم سادةً للأُمم..

ونعودُ إلى الآية مَرَّة أُخرى أيها الأحبة، لنُلاحظ قوله تعالى: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا﴾، أي أنّ من صفات هؤلاء الرجال أنّهُم يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا، وكلمة (يَتَطَهَّرُوا) مُبهمة، لتدُلّ على الشمولية، يعني يَتَطَهّروا في أجسامهم، يَتَطَهّروا في قُلوبِهِم فلا ظُلمَ ولا غِشّ ولا غِلّ، يَتَطَهّروا في جوارِحِهم فلا ضَربَ ولا شَتمَ ولا نميمة.. يَتَطَهّروا في بُيوتِهم ومع أهليهم، يَتَطَهّروا في أخلاقهم وأخلاقِ أولادهم وبناتهم..  يَتَطَهّروا في حياتهم حتى يكونوا أطهاراً عند موتِهم، وأطهاراً عند لقاء رَبِّهَم..

فهنيئاً لِمَن دَخَلَ قَبرَهُ وهو مُتَطَهّر.. وهنيئاً لمن وَقَفَ أمامَ رَبَّهُ وَهُوَ مُتَطَهّر.. أتدرون لماذا؟ لأنّ الله يُحِبُّ المُتَطَهِّرين.. فالله تعالى يُحِبَّكَ إذا كُنتَ من المتطهّرين الذين يعمُرون مساجدَ الله.. فهل من مُدّكر؟

أقول قولي هذا…….

الخطبة الثانية:   الحمد لله

أيها الأحبة في الله، والآية الثالثة التي سَنَقِف معها في هذه الخطبة هي قوله جل وعلا: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ﴾.

تَفَكَّروا -أيها الأحبة- في قوله تعالى (أَذِنَ الله أن تُرفَع).. فلا يوجد مخلوق على وجه الأرض، في الشرق أو في الغرب.. في الشمال أو الجنوب.. في السماوات أو في الأرض يُمكِن أن يوقفَ عُلُوَّها أو ارتفاعها، لأن الله هو الذي أَذِن أن تُرفَع..

وبهذا فلا اليهود ولا غير اليهود يُمكن أن يوقف الأذان في المساجد، مهما حاوَلوا.. لأَنّ اللهَ هو الذي أَذِنَ أن تُرَفَعَ..

وسَيَخسأُ ويَصغُرُ ويَذِلّ كُلّ كلّ من يقف في وجهِ بناءِ المساجدِ أو المآذنِ أو عمارتِها.. ما دام أن اللهَ هو الذي أَذِنَ أن تُرَفَعَ..

سَتَعِمُّ المساجد كُل العالم، وستملأُ بُيوت الله أرضَ اللهِ بلا شَكّ.. ما دام أن اللهَ هو الذي أَذِنَ أن تُرَفَعَ.. ولكنكم تستعجلون..

لكن السؤال أيها الأحبة: لماذا تُرفع؟ تُرفعُ ليُذكَرَ فيها اسمه جل وعلا، فلا يُعَظّم فيها سِواه.. فلا إله إلا الله.. لا إله إلا الله..

هذه البيوت التي يُسبّح له فيها بالغُدُوّ والآصال رجال.. رجالٌ تَرَبّوا في المساجد.. رجالٌ حَرِصوا على هذه المساجد وحَرَسوها.. رِجالٌ وقفوا في وجه كل من يُحارب المساجد ويمنع أن يُذكَرَ فيها اسمه الله يسعى في خرابها.. رجالٌ حَبّبوا الناس في المساجد.. رجالٌ أَخَذوا بأيدي العصاة إلى المساجد.. إذا دَخَلوها خَشَعَت قُلوبُهم.. وغُضّت أبصارُهم.. وانهمرت مَدامِعُهُم.. لأنهم في بيتِ رَبّهم..

رجالٌ أحَبّوا المساجد فَعَمَروها.. وداوموا على الصلاة فيها.. رجالٌ لا تُلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ ولا حتى كُلّ الدنيا عن ذكر اللهِ في المساجد.. لماذا؟ لأنهم يخافونَ يوماً تتقَلَّبُ فيه القُلوبُ والأبصار.. فهؤلاء ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾..

فلابد أيها الأحبة من إحياء حُبّ المساجد في قُلوبِنا وقُلوبِ إبنائنا وإخواننا.. فالبيوت التي انطلقت منها الرسالات، والتي تُكسبُ فيها الرحمات، يجب أن تُوَقّر وتُصان فلا تُهان.. وتُطَهّر فلا تُنَجّس.. وتُعَمّر فلا تُهدم.. فإنّ توقيرها من توقير الله الكبير.. والمحافظة على طهارتها من تعظيم الله العظيم..

﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾.

اللهم اجعلنا ممن تعلقت قُلوبُهم بالمساجد، لنكون في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظِلُّكَ…

(1) حديث رقم: 3051 في صحيح الجامع، والسلسلة الصحيحة 598.

(2) حديث رقم: 167 في صحيح الجامع.

(3) حديث رقم: 573 في صحيح الجامع.

(4) رواه البخاري ومسلم.

الصبر على الابتلاء 25-3-2010

فاصبر صبراً جميلاً ❤؛ shared by R A M A on We Heart Itالصبر على الابتلاء

   الحمد لله الذي علا فارتفع، وعزّ فامتنع، هو الذي أمسك السماء ورفع، وهو الذي مَدّ الأرض فوسّع، وهو الذي أنزل الغيث فَهَمَع، وتجلى سبحانه للجبل فَتَقَطّع.. وهب ونزع.. وأعطى ومنع، وفرّق وجمع، وسَنّ وشرع، وذلّ كل شيء لعظمته وخضع… أشهد أن لا إله إلا الله…

يـا من إليه المشتكى وإلـيه أمر الـخلق عـائد

يـا حـيّ يا قيومُ يـا صمدٌ تنـزه عن مُـضادد

أنت الرقيب على العباد وأنت في الملكوت شاهـد

أنـت المُـعزّ لـمن أطاعكَ والمُذلّ لكل جاحـد

إنـي دعوتُكَ والـهموم جُيوشُها نـحوي تُطارد

فـافرُج بِحولكَ كربنا يـا من له حُسنُ الـعوائد

   وأشهد أن محمد r نبيه ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فقال فيما أخرجه ابن أبي الدنيا: (إذا أحب الله عبداً أو أراد أن يُصافيهِ؛ صَبَّ عليه البلاءَ صباً وثَجَّهُ عَليهِ ثَجّاً…)([1]).

   أما بعد أيها الأحبة الكرام: إن الابتلاءاتِ والمِحن سُنّةٌ في الحياة الدنيا، قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.

ثمانيةٌ لابد منها على الفتى***ولابُد أن تجري عليه الثمانية

سرورٌ وهَمٌّ واجتماعٌ وفُرقَةٌ***وَيُسْرٌ وَعُسرٌ ثم سَقْمٌ وعافية

واعلموا أيها الأحبة أن الابتلاءَ من علاماتِ الإيمان، بل يُبتلى المرء على قدرِ دينهِ، كما أخبر r، قال الله تعالى: { ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}. والابتلاء قديمٌ قِدَمَ الخليقة، فالله تعالى يقول: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } ولكن لماذا الابتلاء؟ الابتلاء لِسَبَبَين، اختبارٌ لصدقِكَ مع الله { فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} ، واختبارٌ لإيمانك {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ}..

   أيها الأحبة، عند الفتن يتوجّهُ الناس إلى الله تبارك وتعالى، ويدعونهُ ويَرجونه أن يكشف ما بهم من كربٍ وبلاءٍ، قال الخالق العظيم: {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا}.

   فإذا حُبس المطر؛ صلى الناس الاستسقاء في كُل البلاد، لماذا؟ لأنهم يعلمون علم اليقين أن الذي يُنَزّل الغيث هو الله، فهو القائل: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ}،فلا أحدَ في الأرض ولا في السماءِ، يُمْكِنُ أن يُنَزّل الغيث سوى الله… وإذا مرض العبد فإنه يعلم أنه لا شافي إلا الله.. ألم يقل إبراهيم عليه السلام من قبل: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}..

  وإذا أصاب العبد مُصيبة فإن القلوب تتوجه، والأيدي ترتفع، الألسُن تلهج بالدعاء، لماذا؟ لأنهم يعلمون علم اليقين أن مُفَرّج الكروب هو الله، ولا يُفرّجها سواه..

ألم تسمعوا إلى ربكم تبارك وتعالى: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} من الذي يُنجّي؟ الله تعالى يُجيب على هذا السؤال ويقول: {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا} لكن قد تكون المصائب والبلايا ليست من البرّ والبحر، اسمع إلى قول العظيم جل جلاله: {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ}… مهما كان الكربُ عظيماً… مهما سالت الدماء… مهما زاد عدد الشهداء والجرحى… مهما تُدنس المقدسات.. الله يُنجيكم منها… فلا تسأل سواه… ولا تلجأ إلى غيره… فإذا ضاقت عليك الدنيا فقُل يا الله… إذا غَشِيَكَ الكُرَب فقل يا الله…

سَلِ الله ربّـكَ مـا عـنده***ولا تسأل الناس ما عنهم

ولا تلتمس من سواه الغياث***وكن عبده لا تكن عبدهم

   أيها الأحبة الكرام: إن حال المسلمين عجيبٌ هذه الأيام، إذ كيف يطلب العامل أجرَ عملٍ لم يعمله، بل يرفض أن يعمله، وإذا عمله لا يُتقنه… تعصي الإلهَ أيها الإنسان وترجو منه الشفاء والرحمة والنصر؟؟

   كيف يستجيب الله لمن يمُدّ يده إلى السماء يا رب يا رب، وملبسه حرام، ومشربه حرام، وغُذّي بالحرام…نساؤه شبه عارياتٍ في الشوارع.. أولاده لا يُصلون، بل ويسبون الدين والربّ أمامه وكأنه لم يسمع شيئاً…

أيها الأحبة: نرفض أوامر الله!!.. الله يقول لنا {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ}… ونحن نقول: يا رَجُل… ليوم الله وبِيعين الله… {وَآتُوا الزَّكَاةَ}… أعوذ بالله… أنا أعطي أموالي لفلان وعلان؟؟

ويأمر نساء المسلمين أن { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ}.. لا.. لا.. هذه الموضة اليوم… هذا الموديل اليوم… {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} الحقوق… أُجرة العامل..لا..لا.. ونُريد منه الرزق والشفاء والنصر؟  أي منطقٍ أعوجٍ أعرجٍ أهوجٍ هذا؟

   أيها الأحبة الكرام: إن الارتباط والاتصال بين النصر المعنوي والنصر الحسي وثيق جداً، فإذا ما أجدبت الأحاسيس والمشاعر، وقحطت الأخلاق الحسنة، وساد جفاف الإيمان بُليت الأُمة بمصائب وبلايا. وإذا هُزمت النفوس واستُشْهِدَت الهمة العالية والطاعات تحت رُكام المعاصي، يبتلينا الله تعالى بتأخير النصر.

أتُريدون الدليل؟؟ اسمعوا إلى قول الله تعالى عن أُناسٍ كانوا قبلَنا، أصابهم البلاء، فتضرعوا إلى الله، والتضرُّع يختلف عن الدعاء، فالتضرُّع دُعاءٌ مع تَذَلُّل وَخشية- ولكن الله تعالى لم يستجب لهم، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} لَجَئُوا إلى الله.. لكنه لَمْ يَسْتَجِبْ لَهُم، لماذا؟ {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

هذا هو الداء… إنها قسوة القلب وطاعة الشيطان.. إنه عهد الله الذي أخذه عليكم أيها الناس… {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} وعبادة الشيطان لا تكون بالصلاة له، بل بطاعته وامتثال وساوسه، وترك أوامر الحق جل وعلا…

هذا هو الداء، وهذا سبب مصائب الأمة… لكن السؤال: ما هو العلاج؟؟

إن أول علاج للمصائب والبلايا، وصفه لنا ربُّنا تبارك وتعالى في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَِ}.. ويقولُ تعالى: {وَاصْبِرْ صَبْرَاً جَمِيلاً}.. نحن بحاجة إلى صبرٍ جميلٍ.. لا ضجر فيه ولا اعتراض على أمر الله وَقَدَرِه.. صبرٌ لا شكوى فيه إلا لله الخالق.. فما من نبي أصابه بلاء إلا توجه إلى ربه.. فهذا إبراهيم عليه السلام يقول: (حسبي الله ونعم الوكيل) وأيوب عليه السلام يقول: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ويعقوب عليه السلام قال: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} ورسولنا r قال: (اللهم إني إليكَ أشكوا ضعف قوتي)([2]).. إنه الصبر الجميل..

فيا أيها الأخ الحبيب.. أيها المسلم العزيز.. إذا رأيتَ الباطلَ يتحدى، وإذا رأيت الطغيانَ يتعدى {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً}..إذا قل مالُكَ وكثرَ فقرُكَ وتجمعتَ همومُك وغمومُك {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً}..إذا أصابك المرض، أو مسك الضُّرّ من موت عزيزٍ أو غيرها {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً}..إذا طال بُعدُ ابنكَ أو أحد أقرباءك وأحباؤكَ في غياهب سجون العدو {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً}..

فإن الله مع الصابرين، ومن كان الله معه فمن عليه؟ وإن الله تعالى يُحب الصابرين، ومن يُحبه الله فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فـ {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}..

أقول قولي هذا وSJYTV hggi gd ,g;lأ

أستغفر الله لي ولكم…

 

الخطبة الثانية:

   الحمد لله رب العالمين، موضع كُلِّ شكوى، وسامعُ كُلِّ نجوى، وشاهد كُلِّ بلوى، وعالمُ كُلِّ خفية، وكاشفُ كُلِّ بلية…

أيه الأحباب: العلاج الثاني للهموم والمصائب {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} أنها الصلاة.. قرة عين الحبيب r، فقد كان إذا حزبه أمر هرع إلى الصلاة وقال: (أرحنا بها يا بلال)([3]).. فَبِها يُستجاب الدعاء.. ويُطْرَدُ الهمُّ والاكتآبُ والبلاء..  

   أيها الناس: الشفاء رزقٌ، والأولادُ رزقٌ، والنصرُ رزق، وأن تجد عملاً هو رزق، وأن تُوفّق في الزواج رزق…) وهذه الأرزاق لها أسبابٌ جالبة، وهو علاج لمصائب الأمة… ألم تسمعوا قول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}.

   وبركات السماء والأرض فيها كُل الرزق، وفيها النصر على الأعداء.. وفيها النصر على شهوات النفس والهوى.. وفيها الرحمة.. وفيها الولد لمن ليس له ولد.. وفيها التوفيق في العمل والزواج وتيسير الأحوال..

  ولكنّ المصيبة -أيها الأحبة- أنهم كَذّبوا، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا}.{فَأَخَذْنَاهُمْ} أي: عاقبناهم، بماذا يا رب عاقبتهم؟ {بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}

   أتُريدون الحلّ والعلاج؟ هل تُريدون رحمة الله ؟ هل تُريدون أن تُساهموا في نصر الإسلام؟ قولوا لربكم تبارك وتعالى: نعم وكرامة.. قولوا لأوامر خالقكم: نعم، {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}.. قولوا لنواهيه بُعداً بُعداً…

   أمعقول إذا صِرتُ أُصلي أنصُر الإسلام؟! نعم والله… معقول إذا صِرتُ ألبس الحجاب أساهم في عزّ الإسلام ؟! نعم والله… معقول إذا أعطيت أختي حقها في الميراث أُبعِدُ اليهود عن الأقصى؟! نعم والله.. أتُريدون الدليل؟ اسمعوا إلى قول الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} يعني من ينصرُ دينَهُ باتباع أوامره… ينصر دينه باجتناب نواهيه… ينصُرُ دينه بإقامة شرع الله في نفسه وأهله ومُجتمعه…

   أيها الناس: توجهوا إلى الله بقلوبكم… قولوا: يا رب سأقول لأوامرك نعم، ولن أقول لا… يا رب، سأقول لنواهيك: لا، ولن أقول نعم… قولوا: يا رب… يا ربّ…

أنت الملاذُ إذا ما أزمةٍ شَمِلَتْ

وأنتَ مَلْجأ مَن ضاقَت بهِ الحِيَلُ

أنتَ الرّجاءُ لِمَن سُدّتْ مَذاهِبُهُ

أنتَ الدّليلُ لِمن ضَلَّت به السُبُلُ

إنّـا قصدناكَ والآمالُ واقِعَةٌ

عليكَ والكُـلُّ ملهوفٌ ومُبتَهلُ

 

اللهم أصلح أحوال المسلمين..

 

 

     

 

(1) أخرجه ابن أبي الدنيا، انظر السلسلة الضعيفة 4993.

(1) أخرجه الطبراني، حديث رقم: 1182 في ضعيف الجامع.

(2) أخرجه أحمد وأبو داود،  حديث رقم: 7892 في صحيح الجامع.

خطبة عيد الفطر المبارك 24-5-2020م

الخط العربي — قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ...خطبة عيد الفطر المبارك 24-5-2020م

الحمد لله الذي جعلنا مسلمين موحدين، من أمة محمد خير الأمم، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)} (الحشر).

الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر…..

أما بعد؛ أيها المسلمون: كان من المفروض أن نتكلم عن عيد الفطر وفوز الصائمين بصيامهم، وفرحتهم بالطاعة.. وفرحتهم برضوان الله.. كان من المفروض أن نتكلم عن صلة الأرحام والتواصل والتقارب.. لكن الظروف تجبرنا على الحديث عن واقع الأمراض وانتشار الأوبئة..

أيها الأحبة.. اعلموا أن دين الإسلام هو الأحرص على نفع البشرية جمعاء، وعلى نشر هذا النفع في المجتمعات كلها، كيف لا؛ وقد جعل حفظ النفس من أهم أولوياته، ومن أهم مقاصد الشريعة الإسلامية الخمسة، التي تسمى بالضروريات الخمس وهي: حفظ الدين، والنفس، والمال، والعِرض، والعقل.

وقد حرص الإسلام على سلامة النفوس والأجساد من كل الأمراض والأسقام والأدواء والأوبئة، قبل أن يُخلق هؤلاء الأطباء الذين سنوا قوانين مكافحة العدوى، وقوانين الحجر الصحي بألف عام أو يزيد. فقد علمونا في كليات الطب والتمريض أن ممرضة ايطالية اسمها (فلورنس نايتينغل) هي من بدأ بتأسيس علم الحجر الصحي في حوالي سنة 1854، لكن الحقيقة تقول أن دين الإسلام قد سبقها بأكثر من ألف وثلاثمائة سنة.

علمونا في كليات الطب والتمريض أن الطبيب النمساوي (أجناتس سيملفيس) اكتشف أن غسل أيدي الطاقم الطبي أكثر الطرق لأمان النساء في حال الولادة، حيث يُخفّض معدل وفيات الأمهات بنسبة 90٪، لكن تم تجاهله، وسَخِرَ منه زملاؤه الأطباء، واحتقروه، وبعد سنوات عرفوا أنه على حق.. وقد سبقه الإسلام في هذا الأمر بأكثر من ألف وثلاثمائة سنة.

أيها المسلمون، يقول لنا الطبيب في ظل ما يُسمى “بجائحة كورونا” اغسلوا أيديكم عدة مرات، وقد أمرنا إسلامنا بغسلها في كل الأحوال، وأحاديث الوضوء كثيرة جدًا، وأحاديث غسلها قبل الأكل وبعده، وقبل التطبيب وبعده، ليس ذلك فحسب، بل هدد وتوعد من لم يغسل يديه فأدى بذلك إلى الضرر في نفسه وفي الآخرين، فقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَامَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ وَلَمْ يَغْسِلْهُ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ»[1].

وهل تعلموا أن العالم اليوم اخترع يومًا أو عيدًا يحتفل في 15 أكتوبر من كل عام، أسموه اليوم العالمي لغسل اليدين؟ حيث بدأ الاحتفال به في عام 2008م.

قال لنا الطبيب: لا تبصقوا على الأرض أو لا تعطسوا إلا في منديل، وهذا هو أمر ديننا قبل أن يولد أجداد أجداد أجداد هؤلاء الأطباء، بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتغطية الوجه عند التثاؤب والعطاس، وكان صلى الله عليه وسلم يُطبق ذلك عمليًا، فإذا عطس غطى وجهه بكمه، أو بطرف ثوبه.

قال لنا الطبيب: احجروا المرضى والمشتبه بهم واعزلوهم عن الأصحاء، فبهذا تقضوا على الوباء.. والحبيب صلى الله عليه وسلم قال قبل 1440 سنة: «لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ»[2]، يعني لا يجوز أن يدخل مريض على صحيح دون وقاية، ولا يرعى صاحب الإبل المريضة عند  السليمة، حتى لا ينتشر المرض ويزداد.

ليس ذلك فحسب، بل قال الطبيب لا تُلامسوا المرضى، فإن الملامسة سبب للعدوى، أما حبيبنا صلى الله عليه وسلم فسبقه بأكثر من ثلاثة عشر قرنًا، عندما سُئل عن أرض فيها وباء هل نذهب إليها؟ مع أنها أرضنا وفيها رزقنا، فقال فيما يُروى عنه: «دَعْهَا عَنْكَ، فَإِنَّ مِنَ القَرَفِ التَّلَفَ»[3]، والقَرَف من المقارفة يعني الملامسة، ومعنى الحديث إن ملامسة من به وباء مُعدي تؤدي إلى تلف الإنسان الصحيح السليم..

وقال لنا الطبيب أيضًا: يجب التواصل مع المرضى عن بعد متر واحد أو مترين، وقد سبقه حبيبنا صلى الله عليه وسلم بألف وأربعمائة سنة، فقال فيما يُروى عنه: «لَا تُدِيمُوا النَّظَرَ إِلَى الْمُجَذَّمِينَ، وَإِذَا كَلَّمْتُمُوهُمْ فَلْيَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ قِيدُ رُمْحٍ»[4].

أيها الأحبة، والحجر الصحي مطلوب أيضًا.. بل إن من لم يأخذ بالأسباب قد يأثم، آذى نفسه، فما بالكم إذا نقل الأذى والمرض -أو حتى الموت- إلى غيره؟ اسمعوا إلى حبيبنا صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «مَنْ بَاتَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَيْسَ لَهُ حِجَارٌ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ»[5].. لاحظوا كلمة (فقد برئت من الذمة) يعني ذمة الله.. هل تعلمون ما معنى هذا؟ يعني هو يتحمل المسؤولية عن نفسه أمام الله وأمام الناس..

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم…

الخطبة الثانية

الحمد لله.. أيها الأحبة: يتبين مما سبق أن المسلمين يجب أن يكونوا أحرص الناس على الوقاية، وحماية المجتمع، وقد أفتى العلماء بجواز إغلاق المساجد ومنع الصلاة فيها في حال الضرورة، لكن عندما يُسمح للناس أن يتكدَّسوا في الأسواق فوق بعضهم كأنهم جراد منتشر، أو عندما يتكدسون في البنوك كأنهم إلى نُصب يوفضون، ويتسكعون في الشوارع إلى آذان الفجر، ويحتفلون ويتجمهرون ويقوم المئات والآلاف بمسيرات تجوب الشوارع، أو وقفات اعتراض على أمر ما، فإنه لا يبقى معنى لإغلاق المساجد.. ولا يبقى فائدة من ترك الجُمَعِ والجماعات ما دام أن الذي سينقل العدوى للمصلين هو نفسه الذي وقف في الدكان نصف ساعة ينتظر دوره لشراء الدخان.. فالمساجد ليست مصدرًا لنشر المرض بل هي مصدر الرحمة واللطف الإلهي.. وهي خير البقاع، كما قال صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ الْبِقَاعِ الْمَسَاجِدُ، وَشَرُّهَا الْأَسْوَاقُ»[6]، بل كان صلى الله عليه وسلم والمسلمون إذا حَزَبَهُم أمرٌ هرعوا إلى الصلاة.. ولا أُريد أن أطيل عليكم.. إني داعٍ فأمنوا:

الله أصلح أحوال المسلمين.. اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا.. اللهم اصرف عنا وعن المسلمين وعن المسالمين من غير المسلمين الوباء والبلاء والأسقام والأدواء.. إنك سميع الدعاء يا رب العالمين.. اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم.. ولا تعذبنا فأنت علينا قادر..

ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون.. ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون.. اللهم آت نفوسنا تقواها.. وزكها أنت خير من زكاها.. أنت وليها ومولاها..

اللهم يا كريم يسر بعلاج لهذا المرض ترحم به عبادك.. وتلطف بهم.. وتهون به عليهم.. فأنت أهل المرحمة.. وأهل الكرم.. وأهل الرأفة.. وأهل الجود يا أكرم الأكرمين..

اللهم أعد للمساجد نورها.. وللأذان بهجته يا رب العالمين.. اللهم إن بُعدنا عنها قد طال.. فعجّل اللهم بالفرج.. عَجِّل اللهم بكشف الكُربات.. عجِّل اللهم بفتحها أما المصلين.. عجّل اللهم بكشف هذا الوباء عنا يا رب العالمين…

الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر….. وكل عام وأنتم بخير.. قوموا نسأل الله أن يغفر لنا ولكم..

[1] أخرجه أبو داود (3852)، والترمذي (1860) وغيرهما، وصححه الألباني في تحقيقه، ومحققو المُسند.

[2] أخرجه البخاري معلقًا (5771)، وأبو داود (3911)، وغيرهما، وصححه المحققون.

[3] أخرجه أبو داود (3923)، وفي سنده مقال، قال ابن الأثير: “القرف: ملابسة الداء ومداناة المرض” أي القُرب منه.

[4] أخرجه أحمد (6774) وفي إسناده فرج بن فضالة، ضعفه بعض العلماء، ووثقه  ابن حبان والعجلي.

[5] صحيح، أخرجه أبو داود (5041).

[6] أخرجه ابن حبان (1599)، وحسنه الألباني، و شعيب الأرنؤوط.