فوائد من كتاب 2

فوائد من كتاب (2)[1]..

(1) ابن البواب (توفي:1022 أو 1032 م)، من الخطاطين الشهورين في تاريخ الإسلام، كان واسع المعرفة في الفقه وعلوم القرآن، نسخ القرآن الكريم بيده أربعًا وستين مرة، إحداها بالخط الريحاني الذي ابتدعه، وأخرى بالخط المحقق، وقد أهداها إلى السلطان سليم الأول الذي أهداها بدوره إلى جامع لآلالي بالإستانة.

(2) عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لأَصْحَابِهِ : تَمَنَّوْا ، قَالَ أَحَدُهُمْ : أَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ مِلْءُ هَذَا الْبَيْتِ دَرَاهِمَ ، فَأُنْفِقَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَقَالَ : تَمَنَّوْا فَقَالَ أَحَدُهُمْ : أَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ مِلْءُ هَذَا الْبَيْتِ ذَهَبًا ، فَأُنْفِقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قَالَ : تَمَنَّوْا قَالَ آخَرُ : أَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ مِلْءُ هَذَا الْبَيْتِ جَوْهَرًا – أَوْ نَحْوَهُ – فَأُنْفِقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . فَقَالَ عُمَرُ : تَمَنَّوْا . فَقَالَ : مَا تَمَنَّيْنَا بَعْدَ هَذَا قَالَ عُمَرُ : لَكِنِّي أَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ مِلْءُ هَذَا الْبَيْتِ رِجَالا ، مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ، فَأَسْتَعْمِلَهُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ[2].

(3) كان أبو العتاهية يخرج أحيانًا في بعض قصائده عن بحور الشعر التي وضعها الخليل بن أحم الفراهيدي، فلما سُئل عن ذلك قال: “أنا أكبر من العروض”.

(4) عن ابن سيرين: قال: كان أبو محجن الثقفي لا يزال يجلد في الخمر، فلما كثر عليهم سجنوه وأوثقوه، فلما كان يوم القادسية رآهم يقتتلون فكأنه رأى أن المشركين قد أصابوا من المسلمين، فأرسل إلى أم ولد سعد، أو إلى امرأة سعد، يقول لها: إن أبا محجن يقول لك: إن خليت سبيله وحملته على هذا الفرس ودفعت إليه سلاحاً ليكونن أول من يرجع إليك، إلا أن يقتل.

وأنشد يقول (من البحر الطويل):

كفى حزناً أن تلتقي الخيل بالقنا … وأترك مشدوداً علي وثاقيا

إذا قمت غناني الحديد وغلقت … مصارع دوني قد تصم المناديا

وقد كنت ذا مالٍ كثير وإخوةٍ … فقد تركوني واحداً لا أخا ليا

وقد شف نفسي أنني كل شارقٍ … أعالج كبلاً مصمتاً قد برانيا

فلله دري يوم أترك موثقاً … وتذهل عني أسرتي ورجاليا

حبست عن الحرب العوان وقد بدت … وإعمال غيري يوم ذاك العواليا

ولله عهدٌ لا أخيس بعهده … لئن فرجت أن لا أزور الحوانيا

فذهبت الأخرى فقالت ذلك لامرأة سعد، فحلت عنه قيوده، وحمل على فرس كان في الدار، وأعطي سلاحاً، ثم خرج يركض حتى لحق بالقوم، فجعل لا يزال يحمل على رجل فيقتله، ويدق صلبه.

فنظر إليه سعدٌ فجعل يتعجب ويقول: من ذلك الفارس؟ قال: فلم يلبثوا إلا يسيراً حتى هزمهم الله، ورجع أبو محجن، ورد السلاح، وجعل رجليه في القيود كما كان.

فجاء سعد، فقالت له امرأته أو أم ولده: كيف كان قتالكم؟ فجعل يخبرها ويقول: لقينا ولقينا، حتى بعث الله رجلاً على فرسٍ أبلق، لولا أني تركت أبا محجنٍ في القيود، لظننت أنها بعض شمائل أبي محجن؟ فقالت: والله لأبو محجن كان من أمره كذا وكذا. فقصت عليه قصته. فدعا به وحل قيوده، وقال: لا نجلدك على الخمر أبداً. قال أبو محجن: وأنا والله لا أشربها أبداً. كنت آنف أن أدعها من أجل جلدكم. قال: فلم يشربها بعد ذلك[3].

(5) أبو مُسلم الخولاني (توفي: 62هـ،682م)، أدرك النبي (صلى) لمنه لم يره، وأسلم في زمن أبي بكر (رضي)، وبعد أن ادعى الأسود العنسي النبوة أمره أن يشهد له بها، فأبى، فأضرم نارًا عظيمة وألقاه فيها، فلت تؤثر فيه، فنفاه ختى لا يفتضح أمره أمام الناس، ولما قدم المدينة استقبله أبو بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما، وقبل عمر رأسه وقال: الحمد لله الذي أراني من أمة محمد من فُعل به مثل إبراهيم الخليل عليه السلام.

(6) أبو يوسف، صاحب أبي حنيفة (توفي: 182هـ، 798م)، من أجلة المحدثين والفقهاء،تعلق بأبي حنيفة ونشر مذهبه في الأمصار، وكام مقرًا بفضل أبي حنيفة وإن خالفه في رأيه، وقد نقل الخطيب البغدادي عنه قوله: “ما خالفت أبا حنيفة في شيء، فتدبرته إلا رأيتُ مذهبه الذي ذهب إليه أنجى في الآخرة”.

(7) عندما قتل الحجاج بن يوسف عبد الله بن الزبير، سأل أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها: ما رأيك بما فعلت به؟ فقالت بإباء واعتزاز: أفسدتَ عليه دُنياه.. وأفسد عليك آخرتك..

(8) ثلاثة أشخاص ادعوا النبوة زمن الرسول (صلى): الأسود العنسي، ومسيلمة الكذاب، وطليحة الأسدي.

(9) الفضل بن دكين (أبو نعيم بن دكين) عاش بين: (130 – 219 هـ، 748 – 834 م): من مشاهير المحدثين العظماء، شيخ البخاري ومسلم، كان من مواقفه العظيمة عندما اختبره والي الكوفة بقضية خلق القرآن، فكان ردّه دليلاً على عظمته، قال لوالي الكوفة: “أدركت الكوفة وبها أكثر من سبعمائة شيخ، الأعمش فمن دونه يقولون: القرآن كلام اللَّه، وعنقي أهون من زِرِّي هذا، ثم قطع زِرَّ قميصه.. رحم الله الفضل”[4].

(10) قال الله تعالى عن أصحاب الأيكة: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ}، فماذا حصل يوم الظلة؟

أخرج الحاكم في المستدرك عن بَرِيرٌ الْبَاهِلِيُّ ، قَالَ : سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسِ (رضي)، عَنْ هَلَاكٍ قَوْمِ شُعَيْبٍ ، وَقَوْلِ اللَّهِ لَهُمْ : {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ : بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ حَرًّا شَدِيدًا ، فَأَخَذَ بِأَنْفَاسِهِمْ فَدَخَلُوا أَجْوَافَ الْبُيُوتِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَجْوَافَ الْبُيُوتِ فَأَخَذَ بِأَنْفَاسِهِمْ ، فَخَرَجُوا مِنَ الْبُيُوتِ هِرَابًا إِلَى الْبَرِّيَّةِ ، فَبَعَثَ اللَّهُ سَحَابَةً فَأَظَلَّتْهُمْ مِنَ الشَّمْسِ فَوَجَدُوا لَهَا بَرْدًا وَلَذَّةً ، فَنَادَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى إِذَا اجْتَمَعُوا تَحْتَهَا أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَارًا ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ : فَذَاكَ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ {إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[5].

*-*-*-*-*-*-*

[1] من كتاب “مفردات من الحضارة الإسلامية” لمؤلفه محمد راجي حسن كناس، تقديم: د. أحمد الطحان، دار المعرفة، بيروت.

[2] رواه البخاري في التاريخ الأوسط، باب من مات في خلافة أبي بكر – رضي اللَّه عنه -، حديث رقم (122)، وأبو نعيم في “حلية الأولياء” ج1 ص102.

[3] القصة أخرجها عبد الرزاق في مصنفه (ج9 ص243)، وابن أبي شيبة في مصنفه فقال – (ج12 ص561)، و الطبري في تاريخه – (ج2 ص415)، وسنن سعيد بن منصور ( 2502 ) ، لكن ابن سيرين لم يُدرك أبا محجن أو سعدًا، فالسند ضعيف والله أعلم.

[4] سير أعلام النبلاء ج10 ص149.

[5] أخرجه الحاكم في المستدرك (4128).

تعظيم حُرمات الله

تعظيم حُرمات الله

يقول الله تعالى: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)} لاحظوا قوله: (فإنها) يعني شعائر الله.. وشعائر الله تعالى هي كل شيء يتعلق بالله تعالى، فاسم الله تعالى ودينه وشرعه وأنبياءه وأحكامه وكتابه، يجب أن يُعظّم، ويُجَلّ، اسمعوا.. روى البخاري *صحيح البخاري (3260).* أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلًا يَسْرِقُ، فَقَالَ: أَسَرَقْتَ؟ قَالَ: لَا، وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَقَالَ عِيسَى: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَذَّبْتُ بَصَرِي»..

مع أنه ﷺ رآه بعينه وهو يسرق، لكن: بما أنه ذُكرت اسم الله تعالى وأشهدتَه فقد كذبت عيني وصدقتك.. وذلك حتى لا يُذكر اسم الله تعالى مع الكذب..

ومن المعروف والمشهور قصة بشر بن الحارث، حيثُ سُئل ما بال اسمك بين الناس كأنه اسم نبي؟ قال: هذا من فضل الله وما أقول لكم، كنت رجلاً عياراً صاحب عصبة فجزت يوماً فإذا أنا بقرطاس في الطريق فرفعته فإذا فيه (بسم الله الرحمن الرحيم) فمسحته وجعلته في جيبي وكان عندي درهمان ما كنت أملك غيرهما، فذهبت إلى العطارين فاشتريت بهما غالية (نوعاً من الطيب) ومسحته في القرطاس فنمت تلك الليلة، فرأيت في المنام كأن قائلاً يقول لي: يا بشر بن الحارث رفعت اسمنا عن الطريق، وطيبته لأطيبن اسمك في الدنيا والآخرة، ثم كان ما كان”. ***رواه أبو نعيم في الحلية.

نكتة لطيفة

نكتة لطيفة

قال الشيخ تاج الدين بن السبكي في كتاب “الترشيح”: كنت يومًا في دهليز دارنا في جماعة ، فمر بنا كلب يقطر ماء يكاد يمس ثيابنا فنهرته ، وقلت : يا كلب يا ابن الكلب ، وإذا بالشيخ الإمام – يعني والده الشيخ تقي الدين السبكي – يسمعنا من داخل ، فلما خرج قال : لم شتمته ؟ فقلت : ما قلت إلا حقا أليس هو بكلب ابن كلب ؟ فقال : هو كذلك إلا أنك أخرجت الكلام في مخرج الشتم والإهانة ولا ينبغي ذلك ، فقلت: هذه فائدة لا ينادى مخلوق بصفته إذا لم يخرج مخرج الإهانة[1].

فما بالنا نحن لا ننفك نُوزّع التُّهم والاتهامات والكذب والتكفير والتفسيق على الناس، احتقارًا لهم، إلا فلنتقي الله تعالى، ولنجعل من الآن نُقطة انطلاقة لتصحيح ألسنتنا وتطهيرها من كل ما لا يليق بمسلم، مُحبّ لرسول الله ﷺ.. وأخيرًا اسمعوا إلى حبيبكم ﷺ وهو يَقُولُ كما في صحيح البخاري: «لاَ يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالفُسُوقِ، وَلاَ يَرْمِيهِ بِالكُفْرِ، إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ»[2]..

[1] “الحاوي للفتاوى” الفتاوى الفقهية، كتاب النفقات، تنزيه الأنبياء عن تسفيه الأغبياء.

[2] أخرجه البخاري (6045).

مع الجاحظ..

مع الجاحظ..نتيجة بحث الصور عن كتاب الدلائل والاعتبار للجاحظ

قرأتُ كتاب “الدلائل والاعتبار على الخلق والتدبير” لأبي عُثمان عمرو بن بحر، الملقب بالجاحظ (المتوفى سنة 255هـ)، حيث بحث فيه بإسهاب عظمة الله سبحانه وتعالى في خلقه، رادًا بذلك على بعض المُلحدين الذين قال عنهم: “ناسًا جهلوا الأسباب والمعاني، وقصروا في الخلقة عن تأمل الصواب والحكمة فيها، خرجوا إلى الجحود والتكذيب، حتى أنكروا خلق الأشياء، وزعموا أن كونها بإهمال لا صنعة فيه ولا تقدير”.

وقد حاول تفصيل الحكم من خلق الأشياء والأحوال، كالنباتات والحيوانات والكواكب وغيرها، وقد رأيتُ فعلاً أنه واسع المعرفة والعلم في كثير من الفنون، حتى في علم التشريح، فكيف له أن يعلم أن المرارة متصلة بالكبد في ذلك الزمان الذي لم يكن التشريح مُتقدمًا؟ فقال على سبيل المثال في كلامه على سوائل جسم الإنسان: “فما كان منه من جنس المُرَّة الصفراء أُجريَ إلى المرارة التي هي مقرونة بالكبد”.

فقال في الحكمة من أن الطيور تبيض ولا تلد: “ثم جعل -جل جلاله- أيضًا مما يبيض بيضًا ولا يلد ولادة؛ لكيلا يثقل عن الطيران، فإنه لو كانت الفراخ تنجل في جوفه، وتمكث فيه حتى تستحكم وتكبُر لأثقلته وعاقته عن النهوض والطيران”.

وقال: “فكر فى حوصلة الطائر وما قُدَّرَت له، فإن مسلك الطعام إلى القانصة ضيق، لا ينفذ فيه الطعام إلا قليلاً قليلاً، فلو كان الطائر لا يلتقط حبة ثانية حتى تصل الأولى إلى القانصة لطال عليه ذلك فمتى كان يستوفى طعمه، وإنما يختلسه اختلاسا لشدة الحذر؟ فجعلت له الحوصلة كالمخلاة المعلقة أمامه ليوعى ما أدرك فيها من الطعام بسرعة، ثم ينفذ إلى القانصة على مهل. وفي  الحوصلة أيضًا خصلة أُخرى، فإن من الطير ما يحتاج إلى أن يَزُقّ فراخه، فيكون ردّهُ الطعم أسهل وأقرب”.

وقد لاحظتُ من خلال قراءة الكتاب أنه يستخدم مُصطلحات كُنتُ أظنها عامية، ولم أتوقع أن تكون في معروفة في زمانه، مثل: “شَبَّت النار” أي اشتعلت بشدة، و “الجص والكلس والجبصين والتوتيا”، و”رشّ الماء”، و”التبن” وهو علف الماشية، و”صمغ” وهو مادة لاصقة، و”النير” وهي أداة للحراثة على الحيوانات، و”الدجاجة تقاقي” أي تصيح بصوتها عاليًا، و”الزبل” وهو روث الحيوانات المستخدم كسماد للنبات، و”مجداف” السفينة، و”المُحّ” وهو صفار البيض، وغيرها.. رحم الله الجاحظ وغفر لنا وله..1

فوائد من كتاب مفردات من الحضارة الإسلامية/ قسم1

فوائد من كتاب[1]..نتيجة بحث الصور عن كتاب مفردات من الحضارة الإسلامية

(1) ابن جني (توفي: 392 هـ – 1002 م) كان إمامًا في اللغة والأدب والنحو والصرف، حتى وُصف بأنه أرسخ أهل زمانه، وكان صديقًا للمتنبي، وكان المتنبي إذا سُئل عن معنى بيت من شعره قال: “اسأله عنه ابن جني، فإنه أعلم بشعري مني”، ولما قُتل المتنبي، رثاه بقصيدة رائعة، مطلعها:

غاض القريض وأودت نضرة الأدب *** وصوّحت بعد ري دوحة الكتب

***

 (2) ابن طباطبا (توفي:934 هـ)، كتب قصيدة من تسعة وأربعين بيتًا، مدح فيها رجُلاً -يُكنى أبا الحسين- كان يلثغ في حرفي الراء والكاف، وحتى يستطيع هذا الرجل قراءة القصيدة كتبها ابن طباطبا خالية من هذين الحرفين، وكان ما قال:

يا سيدا دانت له السادات *** وتتابعت في فعله الحسنات

وتواصلت نعماؤه عندي فلي *** منه هبات خلفهن هبات

 أوليتني مننا تجل وتعتلي *** عن أن يحيط بوصفهن صفات

 ذو همة علوية توفي على الجوزاء *** تسقط دونها الهمات

لأبي الحسين سماحة لو أنها *** للغيث لم تجدب عليه فلاة

وله مساع في العلا عدد الحصى *** في طيئ من جلها مسعاة

***

(3) قيلَ لابنِ المُقَفَّع، مَن أدَّبك؟ قال، أنا أدبتُ نَفسي، كُنتُ إذا رأيتُ مِن الناسِ فِعلاً حسناً عَمِلتُ بهِ، وإذا رأيت فعلاً قَبيحاً اجتَنَبتُه.

وقيل : اجتمع ابن المقفع بالخليل بن أحمد الفراهيدي، فلما تفرقا قيل للخليل : كيف رأيته ؟ قال : علمه أكثر من عقله. وسئل هو : كيف رأيت الخليل ؟ قال : عقله أكثر من علمه.**انظر البداية والنهاية ج ص..، وسير أعلام النبلاء ج ص..من أدبك.***

***

(4) ابن النفيس (ولد: 1213)، الطبيب العربي المعروف، الذي اكتشف الدورة الدموية الصغرى، قبل مايكل سرفيتوس (ولد:1511) بعدة قرون، له كتب كثيرة، منها كتاب في السيرة النبوية، اسمه “الرسالة الكاملية في السيرة النبوية” ويغلب عليها الطابع الفلسفي، قال البيهقي عن هذه الرسالة: “ما سبقه بها أحد”.

***

(5) ابن وافد (وُلد: 388هـ/ 997م)، من أطباء العرب المشهورين، ألف عدة مؤلفات في الطب، وهو القائل: “لا يجب التداوي بالأدوية ما أمكن التداوي بالأغذية، ولا يجب التداوي بمُرَكّب الأدوية ما أمكن التداوي بمُفردها”.

***

(6) ابن الوردي ولد في معرة النعمان سنة 691 هـ – 1292 م وتوفي بالطاعون في حلب في سنة 749 هـ – 1349 م، من مؤلفاته: “تتمة المختصر في أخبار البشر” (تاريخ ابن الوردي) مطبوع، و”خريدة العجائب وفريدة الغرائب” مطبوع. و”شرح ألفية بن مالك (تحرير الخصاصة في تيسير الخلاصة)”، ومن شعره في لاميته المشهورة:

اعتـزلْ ذِكـرَ الأَغَاني والغـَزَلْ * * * وقُلِ الفَصْـلَ وجانبْ مـَنْ هـَزَلْ

ودَعِ الـذِّكـرَى لأيـامِ الصِّبـا * * * فَـلأَيـامِ الصِّبـا نجَـمٌ أفَـلْ

إنْ أَهنـا عـِيشـةٍ قَضَّيتُهـا * * * ذَهبـتْ لـذَّاتُهـا وَالإثـمُ حَـلْ

واطلـبِ العِلـمَ وَلاَ تَكسَـلْ فَمَا * * * أَبعـَدَ الخْـيرَ عَلى أهـلِ الكَسَـلْ

***

(7) علي بن الجهم، شاعر مطبوع عذب الألفاظ سهل الكلام مقتدر على الشعر. كان إبراهيم الحربي يصفه ويقرظه، ويقال إن إبراهيم هو ابن داية علي ابن الجهم. ومدح علي المعتصم والواثق وجالس المتوكل، ومات سنة تسع وأربعين ومائتين بناحية حلب. خرج متوجهاً للغزو فقتله أعراب من كلب وهو القائل:

هي النفس ما حملتها تتحمل *** وللدهر أيام تجور وتعدل

وعاقبة الصبر الجميل جميلة *** وأفضل أخلاق الرجال التفضل

ولا عار إن زالت عن المرء نعمة *** ولكن عاراً أن يزول التجمل

***

(8) كيف مات أبو جعفر النحاس؟

أبو جعفر النحاس العالم النحرير، صاحب كتاب “معاني القرآن” و”إعراب القرآن”، قيل أنه كان جالسًا على درج بالقرب من نهر النيل، وكان يترنَّم ببعض الشعر، فرآه بعض الجهال فظنوه ساحرًا يُريد أن يسحر نهر النيل فلا يبقى فيه ماء، فدفعوه إلى النهر، فغرق ومات، وذلك سنة (338هـ-950م).

***

(9) أبو حيان التوحيدي (توفي745هـ-1344م)، صاحب تفسير “البحر المحيط”، كان من كبار علماء اللغة العربية، وعالمًا باللغات والترجمة، وعلم الحديث، ولُقّب بشيخ النُّحاة لبراعته في اللغة والنحو، وكان كثير الشعر، حتى أنه مدح أعداءه، فقال:

عِدايَ لهم فضلٌ عليّ ومِنَّةٌ *** فلا أَذهبَ الرحمنُ عَنّي الأعاديا

هُم بحثوا عَن زَلَّتي فاجتَنَبتُها *** وهُم نافسوني فاكتسبتُ المعاليا

**********************************************************

[1] من كتاب “مفردات من الحضارة الإسلامية” لمؤلفه محمد راجي حسن كناس، تقديم: د. أحمد الطحان، دار المعرفة، بيروت.

نتيجة بحث الصور عن الدعاءالدعوة بالدعاء

لا شك أن التضرع إلى الله تعالى بالدعاء وسيلة مهمة في دعوة من يتقبل أمر الله تعالى ودينه وشرعه وحُكمه، فقد دعا رسول الله ﷺ لأحد العُمرين -عمر بن الخطاب وأبو جهل عمرو بن هشام-، وبسبب هذه الدعوة أسلم عُمر بن الخطاب، وصار خليفة للمسلمين، وهناك أمثل كثيرة على ذلك، لكننا نقف مع روايتين، إحداهما لأبي هريرة رضي الله عنه، الذي أسلم[1] وبقي قلبه معلق بأمه وكيفية إنقاذها من النار، فلنستمع إليه وهو يُحدثنا قائلاً:

“كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللهِ ﷺ مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ وَأَنَا أَبْكِي، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اللهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ».

يقول: فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللهِ ﷺ، فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ، فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ، فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ، فَقَالَتْ: مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ، قَالَ: فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا، فَفَتَحَتِ الْبَابَ، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَبْشِرْ قَدِ اسْتَجَابَ اللهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْرًا، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اللهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا -يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ- وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْ إِلَيْهِمِ الْمُؤْمِنِينَ» فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلَا يَرَانِي إِلَّا أَحَبَّنِي”[2].

أما الرواية الثانية فهي للطفيل بن عمرو الدوسي، الذي أسلم وبقي قلبه مُعَلّق بقومه الذين هم على الشرك، فبمجرد إسلامه قرر أن يذهب ليهم لدعوتهم، لكنه لم يُفلح، فما هي نهاية القصة؟

يقول أَبِو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه -وهو شاهد عيان-: جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ دَوْسًا قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ فَادْعُ اللهَ عَلَيْهِمْ. فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الْقِبْلَةَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ النَّاسُ: هَلَكُوا، أو قالوا: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، هَلَكَتْ دَوْسٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.. فَقَالَ ﷺ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَائْتِ بِهِمْ، اللهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَائْتِ بِهِمْ، اللهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَائْتِ بِهِمْ»[3].

فكم من أبنائنا وأصدقائنا وزملائنا وأحبابنا قد أعيانا الحديث معهم، فلم يستجيبوا، ولم يُصغوا لقولنا، واستمروا على عنادهم وتركهم للصلاة وقطعهم للأرحام وعلى أخلاقهم التي لا ترضِ الله تعالى، فعلينا أن نستخدم معهم هذه الوسيلة، لعل مفاتيح قلوبهم تكون فيها..

[1] أسلم على يد الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي، وكان عمره حينما أسلم حوالي ست عشرة سنة، قال أبو هريرة: كان اسمي في الجاهلية عبد شمس فسميت في الإسلام عبد الرحمن، وإنما كنيت بأبي هريرة، لأني وجدت هرة فجعلتها في كمي، فقيل لي: ما هذه؟ قلت: هرة. قيل: فأنت أبو هريرة. وفي رواية قال: كنت أرعى غنماً لأهلي، فكانت لي هُريرة ألعب بها، فكنَّوني بها.

[2] أخرجه مسلم (158-2491) وأحمد (8259)، والطبراني في الكبير (76)، وغيرهم.

[3] أخرجه البخاري (2937)، ومسلم (197-2524)، وأحمد (10526)، وابن حبان (980).

ضمام والإعلام المضلل

ضمام والإعلام المضللصورة ذات صلة

أسلم ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه بعد حوار طويل مع رسول الله ﷺ، وكعادة كل من يُسلم في ذلك الوقت -وينبغي أن يكون ذلك في كل وقت- ذهب ضمام ليُطبق هذه الدعوة عمليًا مع أهله وقومه، ذهب وهو يحمل شفقةً عليهم، ورحمةً بهم، وحُبًا لدينه ولأهله، فعندما قدم على قومه، واجتمعوا إليه، كان أول ما تكلم به أن قال: “بِئْسَتِ اللاتُ وَالْعُزَّى”! فثارت ثائرة القوم، واشتغلت آلات التخويف الإعلامية التي تُخوّف الشعوب والأفراد من مخاطر واهنة واهية وهمية..

قَالُوا: مَهْ يَا ضِمَامُ، اتَّقِ الْبَرَصَ وَالْجُذَامَ، اتَّقِ الْجُنُونَ..

لكنَّ الإيمان الصادق أصلُه ثابتٌ وفرعُهُ في السماءِ.. ، فقَالَ: وَيْلَكُمْ، إِنَّهُمَا وَاللهِ لَا يَضُرَّانِ وَلا يَنْفَعَانِ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ بَعَثَ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا اسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِمَّا كُنْتُمْ فِيهِ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ، وَنَهَاكُمْ عَنْهُ.

قال الراوي -وهو ابن عباس رضي الله عنهما-: “فَوَاللهِ مَا أَمْسَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِي حَاضِرِهِ رَجُلٌ وَلا امْرَأَةٌ إِلا مُسْلِمًا”. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: “فَمَا سَمِعْنَا بِوَافِدِ قَوْمٍ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ”[1].

وتظهر خيبة الإعلام المضلل، الحريص على إظهار الحق بصورة قبيحة سيئة، تُنَفّر منه الناس، في قصة الطفيل بن عمرو؛ سيد قبيلة دوس، اسمع إليه وهو يروي لنا قصته فيقول: كنتُ رجلاً شاعراً سيداً في قومي فقدمتُ مكةَ، فمشيت إلى رِجالاتِ قريش فقالوا : “يا طفيل إنك امرؤٌ شاعرٌ سيدٌ مطاعٌ في قومك، وإنَّا قد خشينا أن يلقاك هذا الرجل فيصيبك ببعض حديثه، فإنما حديثه كالسحر، فاحذره أن يُدخل عليكَ وعلى قومك ما أدخل علينا وعلى قومنا، فإنه يفرق بين المرء وابنه، وبين المرء وزوجه، وبين المرء وأبيه” فوالله ما زالوا يحدثونني في شأنه وينهونني أن أسمع منه حتى قلت والله لا أدخل المسجد إلا وأنا ساد أذني.

 قال الطفيل: فعمدت إلى أذني فحشوتهما كرسفاً ثم غدوت إلى المسجد فإذا برسول الله -ﷺ- قائماً في المسجد قال : فقمت منه قريباً وأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله . قال : فقلت في نفسي : والله إن هذا للعجز والله إني امرؤ ثبت ما يخفى علي من الأمور حسنها ولا قبيحها والله لأستمعن منه فإن كان أمره رشداً أخذت منه وإن كان غير ذلك اجتنبته  فقلتُ بالكرسفةِ  فنزعتها من أذني فألقيتها ثم استمعت له فلم أسمع كلاماً قط أحسن من كلام يتكلم به. قال: قلت في نفسي يا سبحان الله ؟ ما سمعت كاليوم لفظاً أحسن منه ولا أجمل . قال : ثم انتظرت رسول الله -ﷺ- حتى انصرف فاتبعته فدخلت معه بيته فقلت له : يا محمد إن قومك جاؤوني فقالوا كذا وكذا فأخبرته بالذي قالوا وقد أبى الله إلا أن أسمعني منك ما تقول وقد وقع في نفسي أنه حق وإني شاعر فاسمع ما أقول. فقال النبي ﷺ: «هات». فأنشدته. فقال رسول الله ﷺ: «وأنا أقول فاسمع». ثم قرأ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} (الإخلاص:1) إلى آخرها، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (الفلق:1)  إلى آخرها، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (الناس:1)  إلى آخرها، وعرض عليَّ الإسلام، فلا والله ما سمعت قولاً قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه فأسلمت[2].

وبعد إسلامه بلغ ذلك قريشا فهددوه وتوعدوه، فذكَّرهم بأنه سيد دوس وأنهم لو تعرضوا له فلن تتركهم دوس، فهابوه، وقد أنشد رضي الله عنه:

ألا أبلغ لديك بني لؤي *** على الشنآن والعضب المرد

بأن الله رب الناس فرد *** تعالى جده عن كل ند

وأن محمدا عبد رسول *** دليلُ هدى ومُوضحُ كلِّ رشد

رأيت له دلائل أنبأتني *** بأن سبيله يهدي لقصد            

وأن الله جلله بهاء *** وأعلى جده في كل جد

وقالت لي قريش عد عنه *** فإن مقاله كالغر يعدي

فلما أن أملت إليه سمعي *** سمعت مقالة كمشهور شهد

وألهمني هدايا الله عنه *** ومبدل طالعي نحسي بسعدي

ففزت بما حباه الله قلبي *** وفاز محمد بصفاء ودي[3]

وكالعادة، رجع الطفيل إلى أهله وقومه داعيًا لهم إلى دين الله تعالى، لكنهم أبوا أن يُسلموا لله، فرجع إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ حزينًا يقول: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ دَوْسًا قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ فَادْعُ اللهَ عَلَيْهَا، فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ يَدْعُو عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ»[4].

[1] أخرجه أحمد (2380)، وهو في “السيرة” لابن هشام (ج4 ص219) عن ابن إسحاق، ومن طريقه أخرجه الدارمي (652) ، وابن شبة في “تاريخ المدينة” (ج2 ص521)، وأبو داود (487) ، والبيهقي في “الدلائل” (ج5 ص374)، وقال محقق المُسند: حديث حسن.

[2] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (2108) بنحوه، وأبي نعيم في دلائل النبوة (186)، وفي معرفة الصحابة (3500)، وسيرة ابن هشام (1 ص382 )، والبداية والنهاية (3 ص123) وسبل الهدى والرشاد (2 ص417).

[3] انظر “الوافي بالوفيات” (ج16 ص264)، والإصابة (ج2 ص67) وسبل الهدى والرشاد (ج2 ص418).

[4] أخرجه البخاري (6397) واللفظ له، وأحمد (7315)، وغيرهم.

دعوة خاطب

دعوة خاطبنتيجة بحث الصور عن زواج مبارك

من أعجب الروايات التي وردت في كُتب السير والتراجم؛ قصة دعوة أُمّ سُليم رضي الله عنها لأبي طلحة الذي كان قد تقدم لخطبتها، حيث أنها كانت قد أسلمت وتمكن الإيمان وَرَسَخَ في قلبها، بينما هو ما زال مُشركًا، فلنستمع إلى أنس بن مالك رضي الله عنه وهو يُحدث عن ذكرياته مع أُمه، يقول: “إنَّ أبا طلحة خطب أُمَّ سُلَيم – يعني قبل أن يُسلم – فقالت: يا أبا طلحة، ألستَ تعلم أنَّ إلهك الذي تعبد نَبَت من الأرض؟ قال: بلى، قالت: أفلا تستحي تعبد شجرة؟ إن أسلمتَ فإنِّي لا أُريد منك صَداقاً غيره. قال: حتى أنظر في أمري. فذهب ثم جاء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله. فقالت: يا أنس زوِّجْ أبا طلحة، فزوَّجها.

وفي رواية: فَقَالَتْ: “يَا أَبَا طَلْحَةَ، أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ إِلَهَكَ الَّذِي نَعْبُدُ خَشَبَةٌ نَبَتَتْ مِنَ الْأَرْضِ نَجَرَهَا حَبَشِيُّ بَنِي فُلَانٍ؟ إِنْ أَنْتَ أَسْلَمْتَ لَمْ أَرِدْ مِنْكَ مِنَ الصَّدَاقِ غَيْرَهُ”. قَالَ: حَتَّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِي. قَالَ: فَذَهَبَ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. قَالَتْ: “يَا أَنَسُ زَوِّجْ أَبَا طَلْحَةَ”[1]..

نعم.. أسلم أبو طلحة، وحلَّق قلبه عاليًا في فضاء الإيمان الصادق، ثم هبط إلى الأرض ليُحقق فيها طاعة ربه، ويُطبق هذا الإيمان عمليًا في حياته، فما أن سمع آية من آيات الله تعالى، حتى جاء إلى رسول الله ﷺ، فَقَالَ: “يَا رَسُولَ اللهِ يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (آل عمران: 92)، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، قَالَ: – وَكَانَتْ حَدِيقَةً كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدْخُلُهَا، وَيَسْتَظِلُّ بِهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا -، فَهِيَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى رَسُولِهِ ﷺ، أَرْجُو بِرَّهُ وَذُخْرَهُ، فَضَعْهَا أَيْ رَسُولَ اللهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «بَخْ يَا أَبَا طَلْحَةَ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، قَبِلْنَاهُ مِنْكَ، وَرَدَدْنَاهُ عَلَيْكَ، فَاجْعَلْهُ فِي الأَقْرَبِينَ»[2]، فَتَصَدَّقَ بِهِ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى ذَوِي رَحِمِهِ.. فأين من يُطبقون إيمانهم في حياتهم العملية؟؟؟

*-*-*-*-*-*-*

ملاحظة مهمة: أم سُليم هي أُم أنس بن مالك، أخذَتْه فأتَتْ به رسولَ الله ﷺ فقالت: “يا رسولَ الله، هذا ابني، وهو غلام كاتِب، أتيتُك به يخدمك، فادعُ اللهَ له، فقال: «اللهمّ أكثر مالَه وولدَه»[3]، قال: فخدَمتُه تسعَ سنين، فما قال لي لشيءٍ قط صنعتُه: أسأتَ، أو: بئسما صنعتَ، لُقّب “خادم رسول الله”، ذلك اللَّقب الذي كان أنس ويفتخر به، فكثيرًا ما كان يقول: “إنِّي لأرجو أن ألقى رسولَ الله ﷺ في يوم القيامة، فأقول له: يا رسول الله، هذا خُوَيدمك أنس”[4].

[1] كذا في الإِصابة (ج8 ص409)، وأخرجه البزار (6448)، وابن أبي شيبة في مصنفه (17651)، والحاكم (2735) بمعناه.. وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ” قال الذهبي: “على شرط مسلم”.

[2] أخرجه البخاري (2758)، وأحمد (13688) وغيرهم.

[3] أخرجه مسلم (2481).

[4] رواه أبو داود الطيالسي، وأبو يعلى الموصلي، كما في “إتحاف الخيرة المهرة” (ج7 ص 259).

لئن شكرتم..

Related image

هناك قاعدة ربانية مهمة جداً، وهي سُنة من سنن الله تعالى في هذه الدنيا، هي “بالشكر تدوم النعم” وفي مقابلها: “بالكفر تزول النعم”، وأصلها قوله تعالى: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)} (إبراهيم).. فشكر النعمة سبيل دوامها، وكُفر النعمة يؤدي إلى زوالها.

إقرأ المزيد

إحصائية مخيفة

Related image

في إحصائية مخيفة ذكرها الناطق باسم الشرطة، قال: بأن أكثر من (400) مشكلة وشِجار حصلت في الضفة خلال أول عشرة أيام من رمضان، أسفرت عن ضحايا ومئات الجرحى، وهذا في الحقيقة أمر خطير للغاية، وجريمة نرتكبها في حق شهر رمضان المعظم، الذي يجب أن نُعظّمه كما عَظَّمه الله، و يجب أن نُعظم حُرمته كما عظمها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إقرأ المزيد